ستجدني بين الحروف، أبعث الروح في الكلمات، أترك نبضاتي على الورق، وأسكب شيئًا من ذاتي في كل جملة أكتبها. حين تقرأني، لا تبحث عن الحكاية فقط، بل ابحث عني، عن أصداء صوتي التي تختبئ بين السطور. أنا هناك، بين كلمة توقفت عندها، وبين فكرة أثارت انتباهك.
الكتابة ليست مجرد تعبير عن الأفكار، بل هي حياة تُسكب في قالب من الأحرف. هي دفء المشاعر حين تتكثف، وتصبح مرآة للروح. عندما أكتب، أنسج عالمي الخاص، عالمًا يأخذك إلى مكان جديد أو يعيدك إلى ذكريات قديمة. أنا في كل قصة أرويها، وفي كل فكرة أطرحها، ربما لأن الكتابة بالنسبة لي ليست هواية فقط، بل امتداد لذاتي.
قد تظن أنني أكتب لتشاركك حكاية، لكن الحقيقة أنني أكتب لتكون هذه الحكاية جزءًا منك، لتعيشها كما أعيشها. في كل كلمة تكتبها، هناك جزء منك، جزء من لحظاتك التي تأثرت بها، جزء من مشاعرك التي تبحث عن منفذ للتعبير. والكتابة هي هذا المنفذ، هذا الصوت الذي يتردد في صمتك الداخلي، محاولًا أن ينطق بما لا يستطيع اللسان قوله.
ربما لن تراني بوضوح، لكنك ستشعر بي، ستلمس حزني في العبارات الهامسة، وسترى أملي في نهاية النص، وستجد شغفي مختبئًا بين السطور. أنا لست مجرد كاتب يعرض أفكاره، أنا إنسان يبحث عن ذاته في الكلمات ويأمل أن تجدها أنت أيضًا. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد فعلٍ على الورق، بل هي الحياة التي أتمنى أن أعيشها. هي اللحن الذي يعزف في قلبي ويبحث عن أذنٍ صاغية.
كل نص أكتبه هو رحلة صغيرة في مساري الشخصي، وهو بمثابة رسالة أرسلها إلى العالم. بعض الأحيان أكتب لأخفف عن نفسي، وأحيانًا أخرى أكتب لتخفيف عنك، لتقول كلماتك التي عجز لسانك عن نطقها. في الكتابة أبحث عن مشاعري المتناثرة في أرجاء الزمن، وأحاول جمعها في جمل تعني شيئًا ما.
حين تقرأني، أرجو أن تفتح قلبك قبل عينيك، لأنني أكتب لتلامس الحروف أعماقك. لعل كلماتي تُشبهك أو تصف ما تعجز عن قوله. ستجدني هناك، في الجمل التي تحملك إلى مكان آخر، أو تلك التي تجعلك تتوقف وتفكر. الكتابة هي المرآة التي تعكس روحك، قد لا تدرك ذلك الآن، ولكن بعد أن تقرأ ما بين السطور، ستجد أن كلماتك هي من تكشف عنك أكثر مما تكشف عنه الكلمات نفسها.
أنا هنا، في كل سطر أكتبه وأنت تقرأه. ستجدني بين الحكايات، أبحث عنك كما تبحث عني. الكتابة، بالنسبة لي، ليست مجرد كلمات تُسطر على ورق، بل هي حوار داخلي بين الذات والآخر، بين نفسي وأنت، بين ما أود أن أقول وما أود أن تسمعه. هي محاولة لفهم ما لا أستطيع فهمه بمفردي، ومحاولة لإيجاد التوازن بين ما نعيشه وبين ما نتمنى أن نعيشه.
ستجدني هنا، في كل كلمة، في كل فكرة، في كل جملة. أكتب لأنني لا أستطيع أن أعيش بدون الكتابة. أكتب لأنني أحتاج إلى أن أتذكر، أن أحتفظ بتلك اللحظات التي قد تتلاشى مع مرور الوقت، وأحتاج إلى أن أحتفظ بها في الذاكرة، لتظل حيّة في الكلمات التي تُكتب وتُقرأ. الكتابة هي الشهادة على الحياة التي نحياها، وكل كلمة هي سجل صغير لما كنا عليه وما نصبح عليه.
في النهاية، ستجدني بين الحروف، أبحث عنك كما تبحث عني. عندما تقرأ ما أكتبه، تذكر أنني لست مجرد كاتب، بل إنني أنت، ونحن جميعًا، نتشارك هذه اللحظات، رغم أننا قد نعيش في عوالم مختلفة. الكتابة هي وسيلتنا المشتركة للحديث، عن ذاتنا، وعن هذا العالم الذي نعيش فيه، وعن كل ما يتسرب إلى قلوبنا.