إنه الصباح الباكر… استيقظت سعيدةً باستقبال يوم جديد. فتحت شرفتي لأستنشق نسمات الهواء النقية قبل أن تلوثها عوادم السيارات. ظننت أنه يوم سأستمتع بهوائه كعادتي، ولكن أثناء لهفتي للهواء النقي، شعرت باختناق، وكأن الهواء بدأ يقل من حولي! شدة انعدامه أحدثت ألمًا في رأسي، ذلك الذي نسمّيه "الصداع".
تمعنت فيما يحدث، ولم أفهم له معنى مطلقًا. أجاء اليوم الجديد حزينًا وأنا أستنشق الآن حزن الهواء المارّ على شرفتي؟ أم لعلّ الكون امتلأ بأتربة الطرقات، فهربت نسائمه؟ نظرًا لهذه الأسئلة، تزايدت حيرتي.
نظرت في ساعة هاتفي لأتأكد: هل استيقظت مبكرًا كالمعتاد، أم أن النوم قد سرق جزءًا من سعادتي في استقبال اليوم الجديد؟
الساعة الخامسة والنصف صباحًا!
يا إلهي… الهواء يتلاشى شيئًا فشيئًا، وكدت أختنق. هرعت نحو الشرفة مرة أخرى، وكأنني أبحث عن أي تنفس جديد يروي جفاف صدري، لكن لم يكن هناك سوى هواء ثقيل غريب. نظرت في الشارع، فلم أجد سيارات، ولا دراجات بخارية، ولا حتى أشخاصًا مارّين. كان الشارع أشبه بمدينة مهجورة، ولكن ذلك لم يُعطني شعورًا بالراحة، بل زاد من قلقي.
"أين الجميع؟!" تساءلت بصوت منخفض، وكأنني أبحث عن إجابة في فراغ المكان. لا شيء سوى الصمت يخيم حولي. تحركت في أرجاء المنزل، يمينًا ويسارًا، وتأكدت أنه لا توجد أسلاك محترقة، لكن الرائحة التي تزداد شدتها كانت تطغى على قلبي...
"ما هذا؟" تساءلت، ولكن لم أتمكن من العثور على إجابة واضحة.
صمتُّ قليلاً، شاردة، أحاول إيجاد تفسير لما يحدث. لم أتوصّل إلى شيء منطقي. ولكن فجأة، شعرت بشيء غريب. لم أعد أسمع سوى صوت بكائي، صوت حزين ينبعث من أعماق قلبي، فبدأت أتساءل: هل كان ذلك صداعًا أم وجعًا أعمق في روحي؟ هل هذا هو الألم الذي لا يمكن تحمله؟
لقد توقفت كل حركاتي فجأة، وعيني توقفت عن التحديق في شيء معين. كانت كل الحواس قد توقفت عن الاستجابة كما لو أنني قد ضعت في مكانٍ ما، بين الحقيقة والوهم. في تلك اللحظة، قررت أن أبحث عن حبيبي… لأنه في مثل هذه اللحظات، كان يجب أن يكون بالقرب مني.
أمسكت بهاتفي وأجريت اتصالًا لأطمئن عليه… "أين هو؟" تساءلت بصوت مملوء بالقلق. بدأت أتصفح جهات الاتصال الخاصة بي في الهاتف، ولكن هناك شيء غريب. مكان اسم حبيبي أصبح فارغًا. تسمرت في مكاني، ثم تذكرت… "ربما فعل هاتفي فعلته المعهودة؛ فهو دائمًا ما يمحو البيانات تلقائيًا دون تحذير مسبق..."
حسنًا، لم أهتم، ولكن هذا لن يضرني بشيء، فأنا أحفظ رقمه عن ظهر قلب. أغلقت التطبيقات التي ملأت شاشة الهاتف، وبدأت في إجراء الاتصال… ولكنني ارتبكت. "هل هو الرقم الصحيح؟" تساءلت وأنا أكتب الرقم 010... ولكن تذكرت أنه ليس هذا. "لا، لا… إنه 012." لحظة، لقد أخطأت... "إنه 011."
"ما هذا؟" تساءلت مرة أخرى. "هل نسيت رقم هاتفه؟" عقلي بدأ ينفصل عن الواقع، وكأنني قد ضعت في دوامة من الأفكار المتشابكة.
أخذت نفسًا عميقًا، وقلت لنفسي: "حسنًا، سأدعو الله أن يأتيني اتصال منه." كنت في حاجة شديدة له، ولكن كيف أتصرف الآن؟ لماذا كل هذا القلق؟
يا إلهي… الهواء يختفي تدريجيا، وألم الصداع أصبح لا يُحتمل. كيف لي أن أظل هكذا بلا طمأنينة؟ بدأت دموعي تنهمر بدون أن أتمكن من إيقافها.
"يا رب، أفق حبيبي من نومه، وابعث إليّ بأخباره لأطمئن عليه. يا رب، إنه حبيبي، وليس لي سواه... أريد فقط الاطمئنان عليه... يا رب…" همست بدعائي، وكأن الكلمات تتساقط من فمي دون أن أسيطر عليها.
ولكنني توقفت فجأة عن الدعاء وصمتُّ طويلًا. تساءلت في نفسي: "بماذا أدعو الله؟"
إنني أدعو الله أن يُطمئن قلبي على حبيبي؟! كيف لي أن أدعو بذلك؟! هل جنّ عقلي؟! فما هذا الذي أفعله الآن؟! كيف لي أن أبحث في هاتفي عن رقمه؟! ولماذا كل هذا القلق؟ وكيف تنقبض روحي لهذه الدرجة خوفًا عليه؟
إذ فجأة، حدث شيء غريب. ارتعد جسدي بالكامل، وكأنني شعرت بشيء غير مرئي يعصر قلبي. "فأنا... بدون حبيب. ليس لي حبيب، ولا أذوب في قصة حب مع شريك أحلامي..."
اللحظة التي توقفت فيها عن الدعاء شعرت بها أكثر من أي وقت مضى. كانت اللحظة التي أدركت فيها الحقيقة المؤلمة، أنني كنت في حاجة إلى الحب الذي لطالما حلمت به، ولم أكن أمتلكه. أين هو؟ لماذا كنت أنتظر شيئًا كان مستحيلاً في واقعي؟
ومع تلك الأسئلة العميقة، تساقطت دموعي بغزارة، وكلما حاولت مسحها، كانت أكثر مرارة. الصوت الذي كنت أسمعه داخلي، كان صوت دموعي، كان صوت الوحدة التي كبرت في قلبي، واحتياجي الذي لا يزول.
ولكنه كان غريبًا... شعرت وكأنني في حلم، فكيف لي أن أظل بهذه الطريقة؟! نعم، ربما كان هذا حلمًا مستمرًا، ولكنها كانت حقيقة لا يمكن إخفاؤها.
لم أجد معنى لما يحدث. لم أستطع فعل شيء سوى أن أصمت. فصمتُّ طويلًا، والأفكار لم تتوقف عن دورانها في عقلي. كانت أفكارًا متصارعة، ترددني بين الحقيقة والوهم. هل كان قلبي يحلم فقط أم أنه كان يعبر عن شعور حقيقي؟
في تلك اللحظة، أدركت أن قلبي كان يبكي وحدته التي طالما عاش فيها، باحثًا عن الحب. كان يبكي شدة اشتياقه لحبيبٍ يشاركني هواء يومي الجديد ويقاسمني سعادتي، ولكن في غياب هذا الشخص، ظل قلبي يتعذب أكثر.
والآن، سأدعو الله أن يرزقني الحبيب الذي أتمناه...
"يا رب، ابعث إليّ بحبيب يستحق قلبي. يا رب، أهدني إلى قلب من عشقته في خيالي... فكثيرًا ما تحدثنا، وتصالحنا، وتشاجرنا دون وجود له."
يا رب، تقبل دعائي، إنك أنت السميع العليم.
من كتاب 📖 صيني ب 80 جنية