في لحظات كثيرة، نجد أنفسنا في حالة من الصمت الداخلي، كأننا في غرفة مظلمة، لا نرى فيها سوى أنفسنا وأفكارنا المتناثرة. لكن، في وسط هذا الصمت، قد نشعر بوجود شخص آخر، شخص خفي، غير مرئي، لكنه حقيقي جدًا. هذا الشخص، الذي يعيش بداخلنا، يصرخ في صمت، يبكي في خفاء. قد لا نراه، لكنه حاضر بقوة في كل لحظة ضعف، في كل لحظة ألم، في كل لحظة صراع داخلي.
"جوايا حد بيعيط"، هذه الجملة قد تكون أبسط من أن تُعبّر عن حجم الألم الذي يشعر به القلب. إنها تلك اللحظات التي نواجه فيها صعوبة في التعبير عن أنفسنا، حينما يختلط الألم بالقلق، وتكون الكلمات عاجزة عن وصف ما يدور في أعماقنا. نبكي بصمت، ولكن هذا البكاء ليس دائمًا مسموعًا من الآخرين. إنه بكاء مختبئ في الزوايا المظلمة لروحنا، يصعب على الجميع رؤيته أو فهمه.
وفي تلك اللحظات، قد نشعر وكأننا على حافة الانهيار، كما لو أن كل شيء يتراكم فوقنا ويثقلنا. لكن في ذات الوقت، نعلم أن هذا الشخص الذي يبكي داخلنا هو جزء من رحلتنا. إنه الألم الذي يعيد تشكيلنا، الصراع الذي يعمق فهمنا لأنفسنا. قد يبدو البكاء ضعفًا، لكنه في الواقع ليس سوى تعبير عن الصمود، عن قدرتنا على مواجهة ما لا يمكن تحمله.
أحيانًا، عندما نسمع هذا البكاء الداخلي، نجد أنه ليس مجرد صرخة يأس، بل هو أيضًا دعوة للتصالح مع النفس، لإعطاء مساحة للحزن، للضعف، وللتجدد. لأننا لا يمكن أن نتجاوز الألم دون أن نعيش فيه لحظة بلحظة، هذا البكاء هو الطريق نحو الشفاء، هو الأمل الذي ينبعث من داخلنا رغم الظلام. وكأن هذا البكاء يُعِيد تشكيلنا، يخفف من وطأة الزمن، ويجعلنا نعيد النظر في أنفسنا وفي العالم حولنا. ومع كل دمعة، نتعلم شيئًا جديدًا عن القوة التي نمتلكها.
إنه في النهاية جزء من الإنسان. نحن لا نعيش في عالم مثالي، ولا نمتلك دائمًا القوة لمواجهة كل شيء بعقلانية أو بهدوء. أحيانًا، علينا أن نسمح للدموع أن تتساقط، أن نعترف بألمنا، لأن هذا هو ما يجعلنا بشرًا. فكل دمعة، وكل لحظة ضعف، هي خطوة نحو القوة التي تنبع من تجاربنا.
لكننا نحتاج إلى التذكير بأن هذا البكاء ليس نهايتنا، بل بداية جديدة. نحن كائنات معقدة، تحمل في داخلها تناقضات؛ من يواجهون الألم هم أنفسهم من يمكنهم أن يجدوا الأمل. في الواقع، إنه أمر طبيعي أن نشعر بالحزن، بل ربما نحتاج إلى أن نختبر هذا الشعور لندرك أننا قادرون على الوقوف مرة أخرى.
إذا كنت تشعر اليوم أن جواك حد بيعيط، فلا تخف من أن تستمع لذلك البكاء. هو ليس هزيمة، بل هو بداية جديدة. بداية لفهم نفسك بشكل أعمق، لحب نفسك بما هي عليه، ولكي تصبح أكثر قدرة على المضي قدمًا، مهما كان الألم. لأنه في النهاية، كل لحظة ضعف، وكل دمعة، هي جزء من قصة تُكتب، وتُصاغ، وتُعيد تشكيل حياتنا. أنت لست وحدك في هذا الصراع. بل في قلبك قوة عظيمة تجعل هذا الصراع خطوة نحو أن تصبح أفضل، أقوى، وأكثر فهمًا لنفسك ولعالمك من حولك.
تذكر دائمًا أنه لا عيب في أن تكون ضعيفًا بين الحين والآخر، لأن هذه اللحظات تُشعِرنا بما هو أعمق داخلنا. هذه اللحظات، على الرغم من صعوبتها، تكشف لنا عن جوانب من أنفسنا ربما لم نكن نعلم بوجودها، وتفتح لنا أبوابًا جديدة للتعلم والنمو. فكلما مررنا بلحظات ضعف، وكلما مررنا بتجارب الألم، نكتشف أن لدينا القدرة على التحمل، والقدرة على النهوض مجددًا.
قد يبدو الأمر صعبًا الآن، وقد يكون البكاء هو الوحيد الذي تجد نفسك قادرًا عليه، ولكن ثق أنه في نهاية الطريق، ستكون أكثر قوة وأكثر صبرًا. فالحياة لا تقيس قوتك بما تملك من راحة، بل بما تفعله عندما تصطدم مع الألم. وكل دمعة هي خطوة نحو الشفاء، نحو النمو، نحو القوة الحقيقية التي تنبع من داخل قلبك.
إذا كنت اليوم تشعر أن "جواك حد بيعيط"، تذكر أنك لست وحدك. نحن جميعًا نمر بتلك اللحظات، ونحن جميعًا نحتاج إلى الوقت للتعافي. فقط تذكر أنه بعد كل ظلام، يأتي النور، وبعد كل ألم، يأتي الشفاء.