أحيانًا لا يبقى لنا من الحياة إلا فتات من الأمل، لكنه يكفي ليعيد للنفس قدرتها على الوقوف من جديد.
في غرفة مضاءة بضوء خافت داخل فيلا عائلية، وقفت "إيلا" في مواجهة حادة مع أمها. الكلمات كانت قاسية، والإشارات واضحة؛ رفضها الزواج لأنه "غير مناسب". امتدت المشادة من خلال النافذة، والصمت المحيط بالغرفة زاد من ثقل اللحظة.
في الخارج، كان "آدم" واقفًا بعيدًا، مرتبكًا، يسمع ويراقب الشجار بصمت. وعندما خرجت إيلا حزينة، وجدته منتظرًا، يمسك يدها دون كلمة، ونظراته تخبرها بصمت: "أنا بجانبك وسأظل أحبك".
الأم عند مدخل الفيلا تراقب ابنتها إيلا وهي تمشي مع حبيبها، ثم ترفع نظرها إلى السماء وتتنهد ببطء، وكأنها تتقبل قرارًا صعبًا.
وسار الزوجان في شوارع المدينة في صمت وشرود، حتى فجأة انطلقت السماء بالبرق والرعد، ونزل المطر بغزارة. جريا معًا بين الشوارع، يضحكان بحرية، وكأنهما اكتشفا لحظة من السعادة بين ضغوط الحياة. بعد مرور شهور قليلة، تغيرت حياتهما بشكل كبير.
في محطة وقود كان يعمل آدم، وقع هناك في شجار مع أحد الزبائن، ليخرج صاحب المحطة ويبعده عن العمل. بعدها اتجه للسير في شارع مظلم، حزينًا، وقلبه مثقل بالمشاكل، كأنه ضل الطريق.
عاد إلى بيتهم البسيط متأخرًا وسكرانًا، ليجد زوجته إيلا نائمة على الطاولة بعد أن حضرت له الطعام، ويبدو أنها انتظرته كثيرًا حتى غلبها النعاس. استيقظت لتجده يبكي كالأطفال، فأخذت تربت على كتفه، وكأنها تقول له بصمت: "أنا معك مهما حدث".
الليل تحول إلى صباح، وآدم نائم، وإيلا تحاول إيقاظه بلا جدوى، فهو غير مهتم. وفي الليالي التي تلت، كانت تقف عند الشباك تنتظر رجوعه، الشارع فارغ، والوقت متأخر، وهو لم يعد بعد.
عاد آدم في وجه الصباح مخمورًا، ولم تكن إيلا راضية عن وضعه، فوقع بينهما شجار عنيف، حتى تجرأ وضربها، ثم انهار. وفي لحظة انهياره، أدرك خطأه الجسيم، احتضنها وراح يعتذر، وكلاهما يبكي معًا وسط الألم.
في النهار، خرجت إيلا تبحث عن عمل في شوارع المدينة المزدحمة، متعبة ومرهقة. همّت بفتح الباب لكنها لم تجد مفتاحه، فأدركت أنها نسيت مفتاحها داخل الشقة عندما خرجت في الصباح. قررت الاتصال بزوجها، لكنه لم يرد، فأضطرت للجلوس أمام باب الشقة ربما يأتي زوجها، بينما هو مستمتع بوقته مع أصدقائه في المقهى.
وكعادته، جاء عند الصباح ليجدها نائمة أمام المنزل، فتح الباب ودخلت إيلا إلى شقتها أخيرًا، بلا شجار. أخبرته بأنها وجدت عملًا جديدًا، وكان رد فعله باردًا: "جيد". تفاجأت بردة فعله؛ لم تكن تتوقع موافقته بهذه السهولة. سيطر الصمت على المكان، وانتهى الحديث دون أن يبدأ.
في المطعم، وبعد استلامها العمل الجديد كمضيفة لزوار المطعم، كانت تقدم لهم الطلبات بابتسامة رقيقة على وجهها، مرتدية زي العمل الرسمي.
مرت الأيام صعبة ومتتابعة: إيلا كانت تعمل بجد، بينما آدم يسهر مع رواد المقاهي الليلية، ثم يعود متأخرًا، يبيت خارج المنزل، يتشاجر معها، تترك له المال، وأحيانًا يفتح حقيبتها ويستولي على مالها دون علمها، وهي تراه وتقرر أن تصمت خوفًا من جرحه.
عاد آدم في وجه الصباح مخمورًا، ولم تكن إيلا راضية عن وضعه، فوقع بينهما شجار عنيف، حتى تجرأ وضربها، ثم انهار. وفي لحظة انهياره، أدرك خطأه الجسيم، احتضنها وراح يعتذر، وكلاهما يبكي معًا وسط الألم.
في النهار، خرجت إيلا تبحث عن عمل في شوارع المدينة المزدحمة، متعبة ومرهقة. همّت بفتح الباب لكنها لم تجد مفتاحه، فأدركت أنها نسيت مفتاحها داخل الشقة عندما خرجت في الصباح. قررت الاتصال بزوجها، لكنه لم يرد، فأضطرت للجلوس أمام باب الشقة ربما يأتي زوجها، بينما هو مستمتع بوقته مع أصدقائه في المقهى.
وكعادته، جاء عند الصباح ليجدها نائمة أمام المنزل، فتح الباب ودخلت إيلا إلى شقتها أخيرًا، بلا شجار. أخبرته بأنها وجدت عملًا جديدًا، وكان رد فعله باردًا: "جيد". تفاجأت بردة فعله؛ لم تكن تتوقع موافقته بهذه السهولة. سيطر الصمت على المكان، وانتهى الحديث دون أن يبدأ.
في المطعم، وبعد استلامها العمل الجديد كمضيفة لزوار المطعم، كانت تقدم لهم الطلبات بابتسامة رقيقة على وجهها، مرتدية زي العمل الرسمي.
مرت الأيام صعبة ومتتابعة: إيلا كانت تعمل بجد، بينما آدم يسهر مع رواد المقاهي الليلية، ثم يعود متأخرًا، يبيت خارج المنزل، يتشاجر معها، تترك له المال، وأحيانًا يفتح حقيبتها ويستولي على مالها دون علمها، وهي تراه وتقرر أن تصمت خوفًا من جرحه.
وفي يوم، أجرت إيلا اختبار حمل، فجاءت النتيجة إيجابية. ملأت دموع الفرح عينيها، فأسرعت بالاتصال بزوجها لتبشره، وظنت أن هذا الوليد سيجمع بينهما في حب مرة أخرى، لكنها اتصلت مرارًا وتكرارًا وآدم لا يجيب، ثم أغلق الهاتف نهائيًا. كانت تبحث عنه في كل مكان، في الشوارع والمقاهي وحتى المستشفيات، وعيناها تسأل كل من مر بجوارها. ومع الوقت بدأ الأمل يتلاشى.
أصبحت إيلا وحيدة، تعمل طوال النهار والليل، ومرت الأيام وكبر وليدها داخل رحمها بشكل ملحوظ، حتى تنمر بعض رواد المطعم عليها واستاؤوا من مظهرها، فقررت إدارة المطعم إيقافها وتسريحها من العمل. توسلت أن تعمل في المطبخ، لكنهم رفضوا وأصروا أن تترك وتغادر.
مكثت إيلا في منزلها لا تخرج، ولا يطرق بابها أحد، تقف عند شباكها حائرة، تناجي الفراغ العميق، حتى طرق الباب أخيرًا. أسرعت بخطوات ثقيلة لتفتحه، ربما الطارق هو زوجها، لكنه لم يكن، بل مالك العقار يطالب بقيمة الإيجار المتأخرة ولا يبالي بضعفها. حاولت التوسل له لتأجيل الدفع، لكنه رفض بلا رحمة.
وفي يوم آخر مليء بالألم، جلست إيلا في محل للمجووهرات تبيع خاتم الزواج، قامت باقتلاعه من يدها بثقل كبير وهي تتأمله. تساقطت قطرات الدمع من عينيها، وكل قطرة ترتسم بداخلها صورة لذكرى عاشتها مع زوجها الغائب. أمسكت بثمن المبيع، ودموعها لا تتوقف.
في لحظة صمت طويل، أدركت أن لوحة حياتها التي كانت ترسمها لم تكتمل كما حلمت بها. أدركت أنها يجب أن تقتنع بأنها أصبحت وحيدة، وأن هناك وليدًا اقترب قدومه، ويجب أن تستعد لاستقباله.
قررت إيلا البحث عن عمل من جديد، فاستقرت في مطعم تعمل في مطبخه، تغسل الصحون ولا تخرج من مطبخه أبدًا. كان المطعم فخمًا جدًا، وأسعاره مرتفعة مقارنة بغيره، فرحت كثيرًا بهذا العمل رغم تعبها، ولكن راتبها كان ينسّيها الآلام، فكانت تشتري أغراضها وتدفع إيجار شقتها، وشراء أغراض لوليدها. بين حين وآخر كانت تعاود الاتصال بزوجها، ولكنه ما زال مغلقًا.
اهتمت إيلا بعملها وطوّرت مهارتها وتعلمت طبخ الحلويات، حتى نالت ترقية في عملها، وأصبحت تطبخ بدلًا من غسل الصحون، والجميع أشاد بمهارتها وذكائها.
وفي يوم من الأيام كان هناك احتفال كبير في المطعم، أُعد له على أكمل وجه، واهتم جميع من في المطعم بهذا الاحتفال. تولت إيلا مهمة إعداد حلويات عيد الميلاد كاملةً، وكان توليها لهذه المهمة مربكًا جدًا، خاصًة عندما كان يتحدث العاملون بالمطبخ عن الأشخاص المحتفلين. كان عيد الميلاد لابنة أهم رجل في المدينة، أحد الأثرياء، وأثار الفضول قلب إيلا، رغبتها في رؤية الفتاة التي ستذكرها بنفسها قبل أن تلتقي بآدم.
إيلا، كعاملة في المطبخ وامرأة حامل، ممنوع أن تظهر أمام زوار المطعم، وممنوع أن تصعد درجة واحدة من السلم المؤدي لصالة المطعم، لكن الفضول بداخلها كان أكبر من أي تعليمات تلقتها من رئيسها في العمل، فقررت أن تخرج خلسة لتستمتع بأجواء الاحتفالات الكبيرة التي حُرمت منها منذ أن عارضت أهلها. كانت تشعر بفرحة ممزوجة بحزن واشتياق لسنوات مضت قضتها مع عائلتها الكبيرة. صعدت إيلا في صمت دون أن يلحظ رؤساؤها اختفائها من المطبخ.
اهتمت إيلا بعملها وطوّرت مهارتها وتعلمت طبخ الحلويات، حتى نالت ترقية في عملها، وأصبحت تطبخ بدلًا من غسل الصحون، والجميع أشاد بمهارتها وذكائها.
وفي يوم من الأيام كان هناك احتفال كبير في المطعم، أُعد له على أكمل وجه، واهتم جميع من في المطعم بهذا الاحتفال. تولت إيلا مهمة إعداد حلويات عيد الميلاد كاملةً، وكان توليها لهذه المهمة مربكًا جدًا، خاصًة عندما كان يتحدث العاملون بالمطبخ عن الأشخاص المحتفلين. كان عيد الميلاد لابنة أهم رجل في المدينة، أحد الأثرياء، وأثار الفضول قلب إيلا، رغبتها في رؤية الفتاة التي ستذكرها بنفسها قبل أن تلتقي بآدم.
إيلا، كعاملة في المطبخ وامرأة حامل، ممنوع أن تظهر أمام زوار المطعم، وممنوع أن تصعد درجة واحدة من السلم المؤدي لصالة المطعم، لكن الفضول بداخلها كان أكبر من أي تعليمات تلقتها من رئيسها في العمل، فقررت أن تخرج خلسة لتستمتع بأجواء الاحتفالات الكبيرة التي حُرمت منها منذ أن عارضت أهلها. كانت تشعر بفرحة ممزوجة بحزن واشتياق لسنوات مضت قضتها مع عائلتها الكبيرة. صعدت إيلا في صمت دون أن يلحظ رؤساؤها اختفائها من المطبخ.
في الاحتفال، نظرت إلى أناقة المكان وأناقة تقديم الحلويات من صنع يدها على طاولة الطعام، ثم بحثت عن الفتاة الجميلة التي حكي عنها الجميع. حقًا، رأت إيلا نفسها في عيون تلك الفتاة، فابتلّت عيناها بالدموع في صمت، ثم ألقت نظرة شاملة على المحيطين بالفتاة المدللة. فجأة، وقعت عيناها على شاب جميل تبدو عليه علامات الحب والثراء. كم كان لطيفًا مع الفتاة التي يقف بجانبها، أزاحت إيلا عينيها عنهما التي ملئت بالدموع، ثم في أقل من لحظة لفت انتباهها ملامح الشاب، عادت فورًا ونظرت مجددًا، فإذا بالشاب هو نفسه آدم، زوجها الذي تخلى عنها بعد أن عارضت عائلتها المرموقة من أجله.
لم تتمالك إيلا نفسها، فأسرعت نحوه، ممسكة به بكل قوتها بمشاعر مختلطة، فتارة تتشاجر معه، وأخرى تحاول احتضانه، تخبره عن حالها، تذكره بحبهما، تحدثه عن وليدها الذي اقترب مجيئه.
لكن آدم واقف لا يبالي، يتجاهلها كأنه لم يراها من قبل، كأنها مختلة، يتهيأ إليه أشياء ليست حقيقية.
فما كان من رؤسائها إلا أن أبعدوها عن الاحتفال، وأخرجوها نهائيًا من أبواب المطعم، وقدموا الاعتذارات للمحتفلين، واكتمل الاحتفال، وهذا كل شيء.
بينما خرجت إيلا إلى الشارع في زهول، لا تعرف إن كانت تحلم أم ما رأته حقيقة. لم تصدق أن آدم ينكر معرفتها، كانت تسير في الطرقات، تحدث نفسها، في حالة عجب وحزن، لم تتذكر ما حدث ولا تعرف ما القادم، فهي فقط في زهول دفعها للمضي في طريق اللاشيء.
مر الوقت، وأصبحت تنام في منزلها على الأرض، في شقة فارغة من كل شيء، حتى من أبسط الأغراض، فقد باعت كل محتويات منزلها لتنفق على إيجار المسكن. لم تعد قادرة على تحمل مجهود العمل، ولم يقبل أحد توظيفها وهي في هذه الحالة.
فتحت إيلا عينيها ذات صباح وهي جائعة، تبحث عن طعام يسد بعض من شعور الجوع المؤلم الممزوج بالخزلان، ولم تجد أمامها سوى كيس به كسرات من الخبز اليابس. حاولت أن تأكله، لكنه كان يابسًا بشدة، فقررت أن تبلله قليلاً من صنبور المياه لتستطيع قضمه.
فكرت أن تعود لعائلتها، فهذا هو المأوى الأخير والأمل الوحيد المتبقي لها في هذه الدنيا. ذهبت نحو منزلهم الفاخر وهي تحتضن بطنها، وكأنها تحمي جنينها من قسوة البرد ومرارة الحياة.
مكثت تنظر نحو المنزل من بعيد، تخشى أن تقترب، تتابع الحركة بداخله، فكل شيء كما تركته؛ الخدم يقومون بأعمالهم، وهناك أمها، كعادتها، تجلس في الشرفة المطلة على حديقة المنزل تقرأ. قررت إيلا أن تقترّب لمحت الأم قدومها، فهمّت بالقيام من مكانها، ثم أغلقت الشرفة بقسوة لم تتوقعها إيلا.
عادت إيلا إلى حيث أتت، تسير ولا ترى أمامها نفحة أمل. هذا هو الملجأ الأخير، ولكنها فقدته. تسير في الطرقات وترى المطاعم والمأكولات في كل مكان. حقًا، كانت تشعر بالجوع نحو كل المشاعر الحياتية. تنظر نحو الطعام وتتمنى لو كانت تجد في حقيبتها ما يكفي حاجتها. أخذت تبحث في الحقيبة عن أي نقود، لكن لا شيء سوى الفراغ. ثم قررت أن تغلق عينيها إلا عن الطريق فقط، وأكملت طريقها في صمت حتى توقفت الدموع فجأة.
تجلس على أحد المقاعد في الطريق، شاعرة بالإرهاق وآلام في بطنها، لا تعرف إن كانت من الجنين أم من الجوع، ربما كلاهما. تغمض عينيها دون أن تشعر، ربما لتنال قسطًا من الراحة التي فقدتها منذ زمن.
هناك، على جانب آخر من الطريق، كان رجل عجوز يلمحها منذ أن كانت تسير نحو المقعد بخطوات مثقلة بالألم. اقترب العجوز إليها، جلس بجانبها، وتحدث إليها، لكن دون جدوى؛ يبدو أن إيلا غطت في نوم عميق أو أن فقدانها للأمل جعلها لا تسمع سوى صوت الصمت.
ظل العجوز يتحدث، وهي لا تلتفت نحوه، ثم قرر أن يتركها وحدها. وقبل أن يقوم من مكانه، ترك لها كيسًا من الطعام وكوبًا من القهوة، ربما لو كان دفئ الكوب يحتوي جزءًا من السقيع الذي كانت تشعر به المسكينة.
همّ العجوز بالقيام من المكان، فنهض مستندًا على عكازه، وهو يتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، وتلك التمتمة أيقظت إيلا من نومها العميق، أو ربما أيقظتها رائحة القهوة. استيقظت إيلا، تبحث حولها عن مصدر الصوت، فوجدت كيس الطعام وكوب القهوة الساخن، نظرت حولها ولم تجد أحدًا سوى الهواء البارد.لم تتردد إيلا في فتح الكيس، وراحت تأكل بنهم شديد دون أن تهتم بالعالم حولها.
هناك، في الزاوية، وقف العجوز حزينًا متألمًا لحال تلك الفتاة الجميلة، ثم غادر المكان متعجبًا.
وعادت إيلا وحيدة إلى منزلها للبدء من جديد. فما إن وصلت المنزل إلا أن وجدت ملابسها ولوحاتها ملقاة على الأرض في عرض الطريق. لم ترى سوى ملابس الجنين الذي تحمله في أحشائها، وربما لو كان تشكر ربها على وجود ابنها بين أضلاعها، فلو لم يكن، لوجدته من بين أغراضها الملقاة في الطريق. ظلّت تبكي وتبكي وهي تحاول لملمة أغراض الصغير، ربما احتياجها لملابسه دفعها لذلك، أو ربما شعورها بأنها لابد أن تظهر أمام الصغير أنها على قدر من المسؤولية، لذلك قررت أن تلملم فقط أغراضه وتترك الباقي.
أخذت إيلا ملابس الصغير وأغراضه، وجلست بجوار الحائط تبكي وتصرخ حتى فقدت الوعي، أو ربما هي تكمل نومها الذي بدأته فوق المقعد في الطريق.
وهنا، في المنام، رأت إيلا نفسها في حياتها السابقة جميلة وأنيقة كما كانت، يقف بجوارها آدم، يمزحان سويًا، فيجري وهي تتبعه بالضحك والمرح حتى تقع، فتصاب قدمها ولا تستطيع القيام بمفردها، ظلّت تنادي على زوجها ولم يرد، تستغيث لينجدها أحد المارة، حتى استيقظت علي طلبها الإغاثة من المارة فقد كانت على آلالام في رحمها، ومازلت تصرخ وتطلب المساعدة من أحد المارة.
تمر سيدة فتلحظها وتقترب منها وتعلم من حالتها أنها على وشك ولادة الجنين، فتطلب لها سيارة إسعاف، فتأخذها السيارة إلى المستشفى، لتفتح إيلا عينيها فتجد نفسها نائمة في سرير بالمستشفى مرتدية ملابس الجراحات، ويخبرونها بأن الوليد تحت الملاحظة في حضانة المستشفى.
وقفت إيلا أمام حضانة المستشفى، تشاهد صغيرها بعيون دامعة، ونظرة ممزوجة بالأمل والخوف من المستقبل الآتي.
تحسنت حالتها قليلًا وحالة الرضيع، وقررت أن تخرج من المستشفى، لكن القائمين على إدارة المستشفى رفضوا أن تستلم صغيرها إلا بعد سداد قيمة الحساب.
راحت إيلا تتحدث إليهم، وتطلب وتتوسل إليهم أن تخرج برفقة الصغير، متوعدة بالعودة لسداد المبلغ، لكنهم رفضوا تمامًا.
ظلّت تبكي وتصرخ وتتوسل إليهم حتى فقدت الوعي مرة أخرى، لتجد نفسها مجددًا نائمة في غرفة بالمستشفى، وبجوارها سرير يحتوي الرضيع. لم تصدق عيناها حينما رأته بجوارها، تلمسه وتحمله وتستطيع احتضانه.
فتات من الأمل
دخلت الممرضة وأخبرتها أنه أصبح بإمكانها الخروج، فقد تحسنت حالتها والرضيع بخير. تساءلت إيلا كيف تخرج بالرضيع، ظنت أنها نالت العطف من العاملين بالمستشفى، لكن سرعان ما أخبرتها الممرضة أن والدتها جاءت إلى هنا، وظلت جالسة بجوارها، ثم قبل أن تغادر، قامت بسداد كل المبلغ المطلوب وتركت مظروفًا مغلقًا.
شردت إيلا ولمعت عينيها، إنه بريق من الأمل قد أتى إلى هنا في صحبة الرضيع.
أخذت إيلا المظروف وفتحته، لتجد به مفتاحًا وورقة مدون عليها عنوان، وأخبرتها الورقة أن العنوان هو لمنزل أصبح ملكها هي وصغيرها.
احتضنت إيلا رضيعها بسعادة، وعلى الفور توجهت إلى العنوان المذكور. كانت تضع المفتاح في باب الشقة وهي تشعر بالرهبة مما ينتظرهما خلف هذا الباب.
فُتح الباب عن منزل به كل ما يحتاجه الإنسان ليحيا حياة كريمة ومستقلة، المنزل مفروش بأرقى المفروشات، والمطبخ مجهز بالكامل، به كل الأغراض والأطعمة التي تحتاجها لنفسها وللصغير، حتى غرفة النوم مجهزة بالكامل بكل اللوازم والملابس، وتملأ خزانتها الملابس، وبه سرير للرضيع بجوار سرير أمه.
جلست إيلا بجوار الرضيع، تخبره أنها الآن أصبحت بخير وأنها على استعداد للبدء من جديد، وهو بجوارها يكبر أمامها فيكبر وعيها معه.
راحت إيلا تتحدث إلى الرضيع، وهي تنظر حولها، تتأمل جمال المنزل والدفء الذي يملأه، فوقعت عيناها على خطاب أعلى المنضدة بالقرب منها، إنه من أمها التي افتقدتها كثيرًا.
فتحت إيلا الخطاب: "إنه أنا يا إيلا، أمك التي تفتقدك كثيرًا. عندما أتيت إليّ لم أستطع مواجهتك، ربما كبريائي منعني، أو ربما لأنني شعرت بالتقصير نحوك. كان عليّ منعك بكل الطرق من الزواج من ذلك الشاب المستهتر. أعلم أنك مررت بتجربة صعبة وأكبر من قدرات تحملك. أنت فتاتي المدللة التي لم تكن تعرف معنى المسؤولية، أصبحت الآن أمًا، تحمل صغيرًا سيصبح رجلاً في المستقبل. أرجوك اهتمي به واهتمي بنفسك، أريدك دائمًا قوية بنفسك أولًا ثم بمن حولك."
تحتضن إيلا ابنها وهي تبكي: "أمي.. أمي، أحتاجك يا أمي."
وهكذا كانت معاناة إيلا، التي قررت تحمل نتيجة معارضة أهلها. بعد أن استعادت صحتها وأصبحت تقوى على التواصل مع الناس، قررت الآن أن تفتح بثًا مباشرًا وتروي للعالم قصتها، وتلقي إليهم نصيحة ربما لو عملوا بها لكان حالهم أفضل:
"الحب جميل، ولكن دفء العائلة أجمل. فإذا تعارض الحب مع قرارات العائلة، فاختاروا العائلة، وإن لم يكن الحب إضافة لحياتكم ونجاحاتكم، فاهربوا منه إلى حضن العائلة."
وها هو آدم يظهر من جديد، يتابع البث المباشر لزوجته إيلا، ويرى نجاحها بمفردها دون مساعدته. يبدو عليه علامات الخزي والتجاهل، فما فعله بزوجته الآن يعيش أضعافه مع الفتاة الثرية التي اختارته لوسامته وتركته عندما ملت من تلك اللعبة الرخيصة.
تكمل إيلا بثها المباشر، تأخذ المشاهدين في رحلة إلى عالم الحلويات، لتخبرهم عن أحد أسرارها في طبخ كعكة عيد الميلاد.
تقدمت حياة إيلا في الوقت الذي انهارت فيه حياة آدم، فكان هو جالسًا على أحد الأرصفة في الشوارع، ملابسه مهانة، ومظهره أصبح ضحلًا.
وبالقرب من أحد المقاهي الشعبية، يرى آدم إيلا تقدّم برنامجًا تلفزيونيًا عن الطبخ. ظل يبكي ويحدث شاشة التلفاز ويطلب السماح، ظل يكرر: "سامحيني يا إيلا، أرجوكِ، أنا مازلت أحبك، سامحيني."، فتدخل العاملون بالمقهى وأبعدوه عن الشاشة، وألقوه في الطريق دون رحمة، تمامًا كما فعل بزوجته المسكينة.
وهكذا، حتى لو تبعثر كل شيء من حولنا، سيظل ذلك الفتات من الأمل دليلًا صامتًا على أن الغد قد يحمل ما لم نره بعد.