تحاول أن تلهي نفسها. تمسك كتابًا أو تنظر في هاتفها، لكن الشعور يزداد حدة. صوت الرياح الذي يداعب النوافذ يبدو لها كأنين غامض، وصوت الباب الذي يتحرك بفعل التيار يُشبه همسًا مخيفًا. تحاول أن تقنع نفسها بأن ما تشعر به وهم، أن كل شيء بخير. لكن عقلها لا يهدأ، والخوف يلتهمها شيئًا فشيئًا.
تتذكر طفولتها، عندما كانت تخشى العتمة وتلجأ إلى والدتها لتشعر بالأمان. لكنها الآن أم، وهي التي يجب أن تكون مصدر الأمان لأولادها، لا أن تبحث عنه. هذا الشعور يجعلها تغرق أكثر في رهبتها. تُلقي نظرة حولها، تشعر بأن الغرفة تضيق عليها، والجدران تُحيط بها كأنها تريد أن تبتلعها.
في تلك اللحظة، تتسلل بخفة إلى غرفة أطفالها، حيث يعم الهدوء. هناك، وسط سرير صغير يضم أحلامهم البريئة، تجد ضالتها. تقترب ببطء، تُراقب ملامحهم الطفولية الغارقة في السكينة. لا شيء يُشبه هذا المشهد، وكأن العالم بأسره يتوقف ليُفسح المجال لهذا الهدوء العذب.
تجلس بجوارهم، تتردد للحظة، ثم تنحني لتعانقهم. تشعر بدفء أجسادهم الصغيرة وهي تحتضنهم، ورائحة طفولتهم تُحيط بها كأنها عبق الأمان. يمد صغيرها يده دون وعي، يلمس وجهها في نومه، وكأن جسده الصغير يعرف حاجتها إلى هذا الاتصال.
تمددت بجوارهم، وأغمضت عينيها. لم تكن بحاجة إلى كلام أو تفسير. فقط هذا القرب كان كافيًا لتُعيد الطمأنينة إلى قلبها. شعرت أن كل ما يطاردها من رهبة يختفي، أن الليل لا يمكنه أن يخيفها ما داموا بجانبها.
في تلك اللحظات، أدركت أن الأمان ليس غياب الخوف، بل وجود من نحبهم بجوارنا. أولادها ليسوا فقط مصدر قوتها، بل هم ملاذها الذي تهرب إليه حين يشتد عليها الليل. احتضنتهم بشدة، وفي قلبها يقين بأنها ليست وحدها، وأنهم، دون أن يدركوا، هم سندها حين تحتاجه.
وبينما همست الرياح خارج النافذة، كانت "ندى" تغرق في نوم عميق للمرة الأولى منذ أيام، محاطة بدفء أحضان من هم أغلى ما تملك.