عيون الطارق في مرآتي
الآن، وبعد أن أصبحت "ذات" في مرحلة جديدة من حياتها، حيث بدأت كلماتها تصل إلى قلوب الناس، شعرت أن الكتابة لم تعد مجرد وسيلة للتعبير عن أفكارها، بل أصبحت نافذة روحانية تطل منها على أعماقها. كانت الكلمات أشبه بمرآة تعكس صدى ذاتها الداخلية، بكل ما فيها من ألم وتطلعات. ومع كل نجاح تحققه، كانت تشعر أن شيئًا ما ينقصها. كان هناك فراغ غامض لا تسده الكلمات، وكأنها تبحث عن صدق أعمق أو معنى لم تصل إليه بعد.
في إحدى الليالي، عندما كانت تقف أمام مرآتها، لاحظت الطارق في عينيها مرة أخرى. لكنه لم يكن كما اعتاد أن يظهر من قبل. هذه المرة، شعرت وكأنه ينبض من داخلها، كأنه قطعة من روحها تهمس لها. لم يكن مجرد صوت للإلهام، بل كان كيانًا داخليًا يدعوها إلى رحلة مواجهة الذات.
"إلى متى ستظلين تخافين من عمقك؟" همس الطارق، وصدى كلماته ظل يلازمها تلك الليلة. بدأت هذه العلاقة بين "ذات" والطارق تأخذ شكلاً أكثر قوة. لم يكن الطارق مجرد صوت يرافقها، بل أصبح بمثابة مرشد روحي يحمل معها شكوكها ويساندها في مواجهة مخاوفها. ومع ذلك، كلما اقتربت منه أكثر، شعرت بأن العلاقة بينهما تتطلب منها أن تكون أكثر صدقًا مع نفسها، أكثر جرأة في الاعتراف بما تحاول الهروب منه.
في تلك المرحلة، شعرت بأن الكتابة لم تعد مجرد متنفس، بل أصبحت عملية تطهير. كل كلمة كانت تكتبها كانت تُخرج جزءًا من ضعفها أو ألمها إلى النور. لكنها أيضًا بدأت تُدرك أن هذا التطهير له ثمنه. كان عليها أن تواجه مشاعر لم تعتقد أنها ستعود، كالحزن العميق، والحنين إلى أيام كانت فيها الكتابة مجرد خربشات بريئة، دون أي ضغط.
ومع كل نص تنشره، كانت تواجه ردود فعل قرائها، بعضها كان يشيد بصدق كلماتها، وبعضها الآخر كان يحمل نقدًا يمس عمقها. هذه التناقضات جعلتها تتساءل عن هويتها ككاتبة: هل الكتابة ما هي إلا انعكاس لذاتها؟ أم أنها أداة لتحررها من قيود هذه الذات؟
ذات يوم، بينما كانت تجلس أمام مكتبها، شعرت بتردد غير مسبوق. كانت أمام قرار كبير، ربما قرار يمكن أن يغير مسار حياتها. وبينما كانت تحاول كتابة نص جديد، شعرت أن الطارق أكثر حضورًا من أي وقت مضى. لم يكن فقط يهمس لها، بل كأنه يُملي عليها شيئًا جديدًا. "لا تكتبي لتُرضي الآخرين. ابدئي بالكتابة لتعرفي نفسك أكثر."
كانت هذه الكلمات نقطة التحول في حياتها. أدركت "ذات" أن الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي رحلة لاكتشاف حقيقتها. لم تعد تهتم بكيفية استقبال الناس لكلماتها بقدر ما بدأت تهتم بأن تكون كلماتها هي انعكاس صادق لكل ما يجري في داخلها.
ومع مرور الوقت، بدأت "ذات" تجد قوة جديدة في الكتابة. أصبحت نصوصها أكثر شفافية وأكثر ارتباطًا بروحها. لم تكن تكتب فقط عن الألم والفقدان، بل أصبحت نصوصها تمس موضوعات لم تكن تجرؤ على تناولها من قبل، كالأمل والخوف، والطموح واليأس. في كل نص كانت تكتبه، كانت تخطو خطوة نحو التحرر من قيودها الداخلية.
الطارق لم يعد مجرد "مرشد روحي" يظهر في لحظات الشك، بل أصبح رفيق رحلتها، يدفعها إلى مواجهة العالم بروح حقيقية. ومن خلال الحوار المستمر بينهما، أدركت "ذات" أن الكتابة ليست الهدف بحد ذاته، بل هي وسيلة لفهم الحياة واكتشاف الذات.
وفي لحظة صدق مع نفسها، قررت أن تبدأ فصلاً جديدًا في حياتها. قررت أن تتحرر من كل القيود التي كانت تمنعها من رؤية حقيقتها. الكتابة لم تعد مجرد كلمات على ورق، بل أصبحت انعكاسًا لروحها في أبهى صورها، أداة لتغيير نفسها والعالم من حولها.