رسالة بلا عنوان!

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

حين أكتب، أشعر وكأنني أفتح نافذة صغيرة تطل على أعماقي، نافذة لا تطل على أحد سوى تلك الصورة التي تحملك في داخلي. أضع كلماتي هناك، معتقدة أن لا أحد سيجدها إلاك. أكتب لك وحدك، رغم أنني أعرف أنك قد لا تقرأ، وأنك ربما لن تعرف أبدًا أنني كنت أكتب إليك. لكن هذا لا يهم. فكل حرف هو همسة خاصة، كل كلمة هي جزء منك يسكن داخلي.

يخبرني من يقرؤون لي أن كلماتي تلامس أرواحهم، وأنهم يجدون فيها انعكاسًا لمشاعرهم وتجاربهم. يقولون إنهم يشعرون وكأنني أكتب لهم وحدهم. أبتسم حين أسمع هذا، لأنني أعرف الحقيقة. أكتب لهم جميعًا، لكنني أخاطبك أنت. كلماتي عالقة بيني وبينك، لكنها تأخذ مسارها عبر الآخرين، تمسهم، تؤثر فيهم، ولكنها تظل موجهة إليك أنت وحدك.

ربما لأنك كنت أول مستمع، أو لأنك من زرع في داخلي هذه اللغة التي لا تُقال بالكلمات. أنت من علمني كيف أبحث عن نفسي في النصوص، وكيف أترك أثري فيها. كل شيء أكتبه يحمل جزءًا منك: طريقتك في النظر إلى الأشياء، صمتك الذي يتحدث أكثر من الكلمات، وحتى غيابك الذي صنع مساحة كبيرة من الحنين في قلبي.

في كل مرة أكتب فيها، أجدني أخاطبك، حتى وإن بدا النص موجهًا للعالم أجمع. الكلمات التي أخطها تبدو كأنها تحمل سرًا لا يعلمه أحد سواي، سرًا يحمل ملامحك وأحاديثك وحتى صمتك الذي يعجز عن المغادرة.

أنا لا أكتب قصصًا أو مقالات فقط. أنا أكتب رسائل، أحيانًا تتخفى في هيئة قصة، وأحيانًا تتجلى في عمق نص عابر. كل سطر هو اعتراف خفي، كل فقرة هي محاولة لتوضيح ما أعجز عن قوله بصوت عالٍ. كلماتي ليست مجرد تعبير عن أفكاري، بل هي محاولة دائمة لإبقاء صورتك حيّة داخلي.

أتساءل أحيانًا: هل تحتاج رسائلي إلى رد؟ هل أنتظر أن تصل إليك الكلمات؟ أم أن مجرد الكتابة كافية لأشعر أنك هنا، أنك ما زلت جزءًا مني؟ ربما لا أحتاج إلى إجابة منك، لأنني أجدك دائمًا بين السطور. في الواقع، ربما تكون الكتابة طريقتي للبقاء معك، حتى لو لم تكن هنا، حتى لو كنت بعيدًا بما يكفي ليصبح الحديث إليك مستحيلاً.

يقولون إن الكتابة علاج، وإنها طريقة للتخلص من الأعباء. لكنني لا أكتب لأتعافى، بل أكتب لأبقى. أكتب لأن الكتابة تحفظ ملامحك، لأن كلماتي تمنحني الفرصة لأراك مرة أخرى، كما كنت دائمًا، كما أتذكرك دائمًا.

أحيانًا، أشعر أن الكلمات خائنة، لأنها لا تستطيع أن تحكي كل شيء. لكنني أعود إليها، لأنني أعلم أنها وسيلتي الوحيدة لإبقائك قريبًا. أكتب لأنني أخاف أن تضيع التفاصيل مع الوقت، أن يختفي صدى صوتك من ذاكرتي. الكتابة هي محاولتي للحفاظ على ما تبقى منك، على تلك الأجزاء التي لا أريد أن أفقدها.

وإن سألتني يومًا: "هل كنت أنا المقصود؟" سأبتسم فقط، وأتركك تبحث عن الإجابة بين الحروف. لأنها، كما تعلم، كانت دائمًا عنك، وستظل دائمًا لك.

أكتبك في كل نص، وأجدك في كل كلمة. لأنك الوحيد الذي أكتبه، والوحيد الذي أقرأه. وكل ما بيننا لا يُقال، لكنه يبقى حيًّا في الكلمات.

تعليقات

عدد التعليقات : 1
  • العمدة محمود طنطاوى22 ديسمبر 2024 في 8:00 ص

    نعم انها رساااائل تحمل عواطف وحب راقي اما الاسلوب منمق وجميل.. سلمت يداك وسلم قلمك سما

    إضافة ردحذف التعليق

    » ردود هذا التعليق