جلست سلمى بجوار النافذة، تتأمل السماء الملبدة بالغيوم الثقيلة، كأنما تعكس صراعها الداخلي. كان قلبها مثقلًا بالأسئلة التي لم تجد لها إجابة. حياتها معه بدأت كحلم وردي، مليء بالوعود الجميلة التي كان يرسمها بكلماته الطمأنة وملامحه الهادئة. لكنها لم تكن تعلم أن خلف هذا الهدوء تختبئ عواصف لم تكن مهيأة لمواجهتها.
اللقاء الأول
تجاهل العلامات الحمراء
حين التقت به لأول مرة، كانت عيناه تحملان حكايات صامتة، كأنهما تقولان ما تعجز الشفاه عن البوح به. شيء فيه جذبها بقوة، ربما كانت جروحه الخفية أو صمته العميق. تجاهلت إشارات الحذر التي أرسلها حدسها، معتقدةً أن الحب يمكنه علاج كل شيء.
الكشف عن الماضي
في لقاء بينهما، جلس أمامها بوجه متجهم وصوت متحشرج قائلاً:
"أنا... كنت متزوجًا مرتين."
شعرت سلمى وكأن الأرض اهتزت تحت قدميها، لكنها تماسكت وسألته:
"لماذا لم تنجح؟"
أجاب بنبرة مليئة بالمرارة:
"لأنني لم أكن أرى إلا نفسي."
رغم مخاوفها، قررت المضي قدمًا، متجاهلةً الإشارات الحمراء التي تحذّرها من عاصفة قادمة.
زواجٌ تحت السحاب
مرت الأيام الأولى كحلم جميل. كان حنونًا وصادقًا، أو هكذا بدا. لكنه لم يحتاج طويلًا ليُظهر وجهه الحقيقي. أصبح سريع الغضب، يثور لأتفه الأسباب، يلومها على كل صغيرة وكبيرة. كانت كلماته كالسكاكين التي تترك ندوبًا خفية في قلبها:
"أنتِ السبب في كل مشاكلي."
"لو كنتِ أكثر ذكاءً، لما وصلت الأمور إلى هنا."
كانت سلمى تحاول جاهدةً إرضاءه، لكن كل محاولاتها كانت تبوء بالفشل. شعرت وكأنها تُجرّد من ذاتها شيئًا فشيئًا.
الوجه الآخر
تطورت الخلافات إلى تطاول باليد فأصبح يضربها ويهينها، وفي كل مرة كان يعود باكياً لتسامحه، وكانت بالفعل تسامحه وتمرر أخطاءه المتكررة. ومع مرور الوقت، تحول غضبه إلى عنف جسدي. ذات ليلة، وبعد مشادة حادة، دفعها بقوة فسقطت أرضًا. كانت تلك اللحظة فاصلة في حياتها، حين أدركت أن حبها له تحول إلى سجن يقيدها.
الأمومة المفقودة
حين علمت بحملها، شعرت بأمل جديد. لكنها سرعان ما أدركت أن الحمل لم يكن كافيًا لتغيير طباعه. كان يزيد من توتره، ويصب جام غضبه عليها.
وذات ليلة، جلست أمامه وقد أرهقها الحزن والخوف. قالت بصوتٍ مرتعش:
"إما أن نتغير معًا، أو أن ننهي هذا الآن."
نظر إليها ببرود وضحك ساخرًا:
"أنتِ دائمًا المشكلة، ليس أنا."
كانت تلك الكلمات كافية لتدرك سلمى أن هذه العلاقة وصلت إلى نهايتها. فعرضت فكرة الطلاق لإنهاء المهزلة، ولكن وقع الأمر على مسامعه وكأنها وجهت له إهانة أو انتقصت من قدره. وفي لحظة غضب، دفعها مجددًا لتسقط على الأرض. هذه المرة، لتفيق على صوت الطبيبة بالمستشفى تخبرها بسقوط جنينها، لم تعرف سلمى ما إذا كانت تحزن على فقدانها الجنين أم تفرح لعدم ولادة طفل لأب مريض نفسي.
لحظة المواجهة
لم تفكر سلمى طويلاً في الأمر بل اتخذت قرار الطلاق مهما كلفها الأمر. فلن تخسر بقدر خسارتها لكرامتها وطفلها.
الخطوة الجديدة
عادت سلمى إلى منزل والديها مثقلة بالجروح، لكنها حاولت إعادة بناء حياتها. وبمرور الوقت، قررت ألا تغلق الباب أمام تجربة جديدة، حين عرض عليها زميلها في العمل الزواج مجددًا. كانت قد رفضته سابقًا، لكنه ظل بجانبها كصديق وداعم خلال أزماتها.
قبلت سلمى هذه المرة، ليس كنوع من الهروب، بل بحثًا عن استقرار مختلف. تزوجته وأنجبت توأمين، ولدًا وبنتًا، شعرت معهما بعوض الله وسلام لم تعرفه من قبل. ومع ذلك، ظلت تسأل نفسها:
"هل يمكن أن يكون الجرح الأول هو الثمن الذي كان عليّ دفعه لأفهم معنى الحياة؟"
الطريق إلى السلام
عاشت سلمى حياة تبدو أكثر هدوءًا، لكن ذكريات الماضي ظلت حاضرة. كلما نظرت إلى طفلَيها، كانت تتذكر أن الطريق نحو السلام لم يكن سهلًا، وأن التئام الجروح لا يعني اختفاء ندوبها.