لعنة الحب

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

إننا نعيش في حالة من التشتت المستمر، كأننا نمشي على حافة الهاوية بين ذكرياتٍ وواقعٍ لا يرحم. كل خطوة نخطوها في هذه الحياة تأخذنا أبعد عن أولئك الذين أفقنا على وجودهم واعتقدنا أن لا شيء يمكن أن يفرقنا عنهم. وكأننا قطعنا وعدًا لأنفسنا بأننا سنظل معًا إلى الأبد، ولكنهم رحلوا، وتركوا وراءهم ثغرة يصعب ملؤها.

ورغم كل ذلك، نظل نتمسك بما تبقى لنا منهم؛ بقايا من كلمات، لمسات، أو حتى نظرات. ولكن، هل يمكن أن نعيش في الذكريات؟ هل يمكن للزمن أن يمحو الألم؟ أم أننا نختار العيش في حالة من الانتظار الأبدي، ننتظر أن يعودوا ويملؤوا فراغنا مرة أخرى؟

إنه الألم الذي لا يرحم، ذلك الذي لا يمكن التفاهم معه ولا يمكن الشفاء منه بسهولة. ومع كل دقيقة تمر، تزداد الشكوك حول ما إذا كان يجب علينا الاستمرار في محاولة النهوض أو الاستسلام للألم والموت البطيء.

إننا جميعًا نعاني من الحب ولأجله. فمنّا من يبحث عنه في حبيب، صديق، أخ، أب، أو ابن، أيًّا كانت صفته. نبحث عن الحب ليعيننا على تحمُّل مرارة الحياة، وغالبًا ما يكون بحثنا موجَّهًا نحو الحبيب تحديدًا، وكأنه الملاذ الذي نجدد به حياتنا ونستنشق عبره هواءً نقيًّا. ويا ويلتنا لو صادفناه ثم اكتشفنا أنه مجرد وهم وسراب!

إذا ما بحثنا عن أسباب المرض، والألم، وحتى الموت، سنجد أن الحب في كثير من الأحيان هو الجاني. نعم، الحب، ذلك الذي كان يُفترض أن يكون مصدرًا للسعادة، يتحوَّل إلى سبب لنكسة قلوبنا.

وهنا نسأل: أين نحن؟ وعلى أي أرض نقف؟ وماذا بعد رحيل الأحبة؟ هل نموت ونحن أحياء؟! فلماذا لم يُجيدوا قتلنا قبل أن يفارقونا؟ كيف لهم أن يتركوا أرواحنا غارقة في الجراح، ينزفها الألم بهذه الوحشية، دون أن يداووها أو حتى يُجهزوا عليها نهائيًّا؟!

لقد تركونا بين الحياة والموت، وهذا أكبر جرم يمكن أن يرتكبه إنسان في حق آخر أحبه بصدق. تركونا أجسادًا بلا أرواح، لم يَبقَ لنا سوى زفير يخرج من أعماق قلوبنا، دون أن نجد ما نستنشقه من هواء. فقد أخذوا كل الهواء، وتركونا فقط نختنق.

وأعود هنا لأتذكر ما قاله نزار قباني: "يا ولدي قد مات شهيدًا من مات فداءً للمحبوب!"

لكن موتنا لم يكن فداءً للمحبوب، بل كان المحبوبُ سببًا فيه، بل هو بنفسه مَن مزَّق الروح، وكان في قمة سعادته حين رأى دماءنا تسيل.

فمن هؤلاء البشر؟ من أي نوع هم؟ وبأي سلاح يتسلحون؟ إنهم ليسوا بشرًا، بل أي شيء سوى البشر.

وما هذا الجُرم العظيم؟ أفي الحب يحدث كل هذا؟! هل هو انتقام؟ أم أنه من توابع الفراق؟

بقاؤنا أسرى للحبيب، حسرة الفراق التي تلتهم أيامنا، حياتنا التي تنهار بفراقهم، كل ذلك ليس سوى لعنةً أصابت الحب.

مقدمة كتاب 📖 صيني ب 80 جنية

تعليقات

عدد التعليقات : 0