أخبروني أنك تتجاهل كتاباتي التي تعرف أنها كتبت إليك، قالوا لي: "كُفي عن الكتابة، وعن الاهتمام به." أجبتهم: "كيف أكف عن الكتابة له وهو ملهمي؟!"
كيف لي أن أكف عن الكتابة له، وقد كنتُ أراه في كل كلمة، في كل حرف، وفي كل سطر يعانق آخر ليحكي عن شيء لم أكن أعرفه قبل أن أتأمل فيه؟ كيف لي أن أكف عن الكتابة له، وهو ينبض في أعماق عقلي كأغنية لا تتوقف، كنبضٍ لا ينضب؟ وكأنني كنت أكتب عنه طوال الوقت دون أن أدرك أنني كنت أكتب إليه.
قالوا لي أن أوقف الكتابة عنه، أن أوقف هذا العبث الذي أعتقده إلهامًا بينما هو في الحقيقة شبح يتربص بقلبي. قالوا لي أن أوقف الإحساس به الذي يتسرب في حروف الكلمات وكأنني أكتب لغته، وأشعر بروحه تلامس يدي من خلال الكلمات. لكن كيف لي أن أفعل ذلك وأنا لا أكتب إلا له؟ كيف لي أن أكتب وأشعر أنه في كل جملة أضعها أمامي، في كل سطر يتشكل، هو من يقف خلفه يقرأ ويشعر بكل حرف؟
كيف لي أن أكف عن الكتابة له، وقد كان كل شيء في هذا العالم قد ضاق بي، إلا هو؟ حتى في صمته كان يتحدث إليّ أكثر من أي كلام آخر. في لحظاتٍ من العزلة، في ساعاتٍ كان فيها العالم بأسره مشوشًا وضبابيًا، كان هو الحضور الواضح الذي أراه في أعماق نفسي. كيف لي أن أكف عن الكتابة له، وهو كان بمثابة المرآة التي تعكس صورتي كما لم أستطع أن أراها من قبل؟
قالوا لي أن الكتابة لا تغير شيئًا، وأنه يجب أن أتركه ليذهب إلى حيث يريد، وأتركه بعيدًا عن أي كلمات قد تذكره بي. لكن كيف لي أن أكتب وأنسى وجوده في حياتي؟ كيف لي أن أكتب وأنا أعلم أن الكلمات التي أضعها على الورق هي رسائل غير مرسلة، أفكار غير مفهومة، لكنها تحمل ملامحه بين السطور، تنطق باسمه دون أن أقولها بوضوح؟
قالوا لي أن أوقف هذا التعلق الساكن الذي يملأني، وأن أبدأ في التحرر منه. لكن كيف لي أن أتحرر من شيء لا أستطيع الفكاك منه؟ كيف لي أن أستطيع إيقاف نفسي عن الشعور به في كل كلمة أكتبها، في كل فكرة تُطرَح عليّ، وفي كل لحظة من صمتٍ يحتفظ بها عقلي في خزائن الذكريات؟ كيف لي أن أكف عن الكتابة عنه، وهو من يضيء لي الطريق في لحظات الظلام؟
في الكتابة له، لا أبحث عن موافقة، ولا عن رد فعل، بل أبحث عن عودة نفسي إليّ. أكتب له لأحاول أن أفهم نفسي من خلاله، لأسترجع نفسي كما كانت قبل أن ألتقي به، قبل أن يبدأ الارتباك يملأ قلبي. أكتب له كي أكون صادقة مع نفسي في كل ما أعبر عنه، في كل شعور أحتفظ به. أكتب له لأنني لا أستطيع أن أستمر دون أن أكتب إليه، لأنني لا أستطيع أن أعيش دون أن أضع حروفي بين يديه رغم أنه لا يراها.
هذه الكتابة، هي طريقتي في البوح بكل شيء، هي طريقتي في أن أعيش كل لحظة معه رغم المسافات، رغم الصمت. أكتب له لأشعر بالسلام، حتى وإن كان في عالمٍ آخر، لأنني أكتب لي أيضًا، لقلبي الذي لا يستجيب إلا للغة الحب التي أرسلها إليه، وهي التي تنقذه من صمتٍ أحيانًا يكون أعمق من الكلمات نفسها.
كيف لي أن أكف عن الكتابة له، وقد أصبح هو جزءًا من حياتي لا يمكنني تجاهله؟