بين الشك واليقين.. إنسان!

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

أحيانًا تنتابنا حالات غريبة من الشرود، كأنك حاضر بجسدك وغائب بروحك، تتقلب بين مشاعر لا تسميها، وأفكار لا تصفها. هذا الصباح كنت هناك، في نقطة بين الواقع والخيال، حيث لا زمان ولا مكان. استيقظت كعادتي قبل بزوغ الفجر، أديت صلاتي وقرأت من القرآن الكريم، ثم جلست للكتابة، لكن شيئًا كان مختلفًا. دعائي المعتاد تردد على لساني، لكن قلبي لم يكن حاضراً. كلماتي خرجت باهتة، بلا نبض، بلا إلحاح يشبه ذلك الذي طالما عرفته في دعواتي.

في هذه اللحظة، تساءلت: ماذا حدث؟ كيف وصلت إلى هنا؟ عامٌ بأكمله وأنا أرفع نفس الدعوات، أطلب نفس المطالب، بنفس الشوق والاحتياج، لكن لا إجابة. أقول لنفسي إن الله يعلم الخير لي، وإن حكمته أعمق من أن يدركها عقلي المحدود. ومع ذلك، لا أملك إلا أن أتساءل: أين تلك القدرة التي أسمع عنها؟ قدرة الله على تحويل الشر إلى خير، على قلب الأقدار لتصبح أجمل مما كنت أتمنى؟ إذا كانت دعوتي ليست خيرًا لي، فلماذا لم يُبدّلها الله إلى ما هو خير؟ لماذا أشعر وكأنني أعيش في دائرة مغلقة، حيث لا تغير ولا جديد؟

وفي خضم تلك التساؤلات، شعرت بشيء مختلف. كأن طاقة حبيبي الذي يسكن بين زوايا قلبي قد جاءت فجأة. لا أدري كيف، ولا متى، لكنها كانت واضحة كالشمس. أكان حضوره هذا ليزيد ضعفي أم ليخبرني بشيء أغفلت عنه؟ ربما أتى ليحملني للحظة بعيدًا عن نفسي، أو ليعيدني إليها. كنت أخاطبه بداخلي، أقول له ما لا أجرؤ على البوح به. أعلم أنه لن يقرأ كلماتي، لكنه سيشعر بها. الأرواح تتصل، والطاقات تنتقل، هناك عالم أعمق مما نراه ونلمسه.

أفكر في هؤلاء الذين يفهمون ما أعنيه. الذين يشعرون بذبذبات من حولهم، يعرفون الفرح من أعين الآخرين، والحزن من نبرة صوتهم. هؤلاء الذين لا يكتفون بالظاهر، بل يغوصون في الأرواح، يقرأون ما بين السطور، ويشعرون بما لا يُقال. أما أولئك الذين لا يعترفون بعلوم الروح، الذين لا يدركون كيف تنتقل الطاقات بين البشر، فليسوا حديثي اليوم. ما أكتبه الآن ليس لهم، وإنما لمن يفهم أن الأرواح تلتقي حتى وإن فرّقتها المسافات، وأن الشعور أصدق من الكلمات.

وفي غمرة شرودي، أدركت شيئًا بسيطًا. ربما ليست الإجابة هي ما أحتاجه الآن، ربما الرحلة نفسها هي الحكمة. ربما هذا الانتظار، هذا الترقب، هو الذي يشكلني، يجعلني أقوى، أعمق. دعوتي التي لم تُستجب كما أردت قد تكون هي الخير بحد ذاته، لكن ليس بالطريقة التي أفهمها.

أنا الآن هنا، في هذه اللحظة، أخاطب نفسي، أخاطب حبيبي الذي قد لا يدرك يومًا ما أكتب، وأخاطب كل من يرى نفسه فيما بين كلماتي. الشرود قد يكون محطة، لا هروبًا. ومحطتي الآن هي أن أتعلم الصبر، أن أثق في حكمة الله حتى وإن لم أفهمها. لأن الإيمان الحقيقي لا يتطلب رؤية الإجابة، بل الاطمئنان إلى أن الإجابة قادمة في الوقت المناسب.

تعليقات

عدد التعليقات : 1
  • غير معرف17 يناير 2025 في 10:49 ص

    نعم الايمان الحقيقي لايتطلب رؤيه يالها من جمال هذا التعبير

    إضافة ردحذف التعليق

    » ردود هذا التعليق