أعلم أنني أبدو في حالة من الشرود، وربما لو تحدث إليَّ شخصٌ ما، سأقسو عليه. لم تعد لديَّ الطاقة التي تمنحني الصبر للاستماع أو تدبُّر الأمور. جسدي يتألم تمامًا مثل روحي. أشعر وكأنني غارقة في عالمٍ من العدم، حيث تتداخل الأوجاع بين الجسد والروح، وكأنهما يتشاركان الحزن ذاته.
أصبحت أواجه الحياة وكأنني أعيش في كابوس مزعج، لا أستطيع التفاعل معها كما كنت أفعل سابقًا. لا أريد التواصل، ولا أستطيع شرح ما أشعر به. كأنني في حالة استنزاف مستمرة، أبحث عن نقطة توازن بين ألمي الداخلي والعالم الذي يحيط بي.
ذكريات قديمة تتردد كأصداء في أعماق روحي. صورٌ من تلك الأيام التي كنت أظن أن آلامها تلاشت مع مرور الزمن، ونسيتها، أراها اليوم بوضوح وأعيشها كأنها حدثت للتو. تلك اللحظات التي كان فيها الوجع يشق طريقه إلى قلبي، تاركًا داخلي آثارًا عميقة لا أستطيع التخلص منها.
كل كلمة جارحة، وكل نظرة خائنة، وكل لحظة تخلٍّ، أصبحت الآن أشباحًا تطاردني، تتسلل إلى ذهني بلا استئذان.
ما زلت أواجه الألم نفسه، الوجع ذاته، رغم مرور السنوات. تلك الوعود الكاذبة، واللحظات التي كنت أبحث فيها عن الأمل، ما زالت حاضرة في عقلي وكأنها جزء من عالمي الآن. تتداخل الذكريات مع الآلام الجسدية، وكأنهما تتسابقان على انهيار حياتي.
الشرود الذي أشعر به ليس إلا انعزالًا داخليًا، عزلةً عن نفسي قبل أن تكون عن العالم، لا أريد أن يُطلب مني عمل، أو أُكلَّف بشيء، أو يُنظر إليّ، أو حتى يُسأل عني. فقط أريد أن أختفي قليلًا، أن أتنفس بعيدًا عن ضجيج العالم وربكة الحياة.
أما عن آلام الجسد، فحدِّث ولا حرج. وخزات قوية في القلب، وتكسير في كامل العظام، وصداع لا يفارقني، وكأن كل شيء حولي يضغط عليَّ. ربما يكون هذا الألم انعكاسًا لشيء أعمق، شيئًا لم أتمكن من مواجهته بعد. ربما هو الألم الناتج عن الصحوة الروحية التي بدأت تتكشف بداخلي، حيث يواجه الإنسان نفسه في أقسى صورها، وعليه أن يتحمل هذا الثقل ليتمكن من الشفاء والنمو.
ولكن، رغم كل هذا، أعلم أنني لا يمكنني البقاء في هذه الحالة إلى الأبد.
تلك الصحوة، رغم قسوتها، هي بمثابة دعوة من أعماق روحي للعودة إلى ذاتي الحقيقية، بعيدًا عن كل ما لا يخدمني. إنها رحلة لا أستطيع تجنبها، رحلة تستدعي مني الشجاعة لمواجهة كل جزء في داخلي، مهما كان مؤلمًا.
الألم الذي أشعر به الآن ليس عدوًا، بل هو استجابة طبيعية لهذه المرحلة، وسيلة روحية للتطهير. وبمرور الوقت، سيتلاشى، وسيترك خلفه دروسًا تعلمتها، تمنحني القوة على المضي قدمًا.
ورغم قسوة الآلام التي اجتمعت على وجعي، فأنا أقترب أكثر من السلام الداخلي. هذه الرحلة، على الرغم من صعوبتها، هي ما سيمنحني في النهاية الحرية الحقيقية: حرية أن أكون نفسي بعمق، دون أن أخشى مواجهة كل ما في داخلي.