عيون الطارق في مرآتي !

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

كانت هناك فتاة تُدعى "ذات"، عُرفت بين من حولها بشغفها بالكلمات وقدرتها العجيبة على تحويل مشاعرها إلى نصوص تفيض دفئًا وعمقًا. قضت أيامها بين دفاتر مملوءة بخربشاتها وأحلامها، وفي كل ليلة، كانت تحكي لنفسها قصصًا تروي فيها مشاعرها وأفكارها العميقة. كانت ترى في الكتابة طوق نجاة، نافذة تعبر منها إلى عالمها الداخلي، عالم مليء بالغموض الذي كانت تسعى دائمًا لاكتشافه.

لكن في أحد المساءات، بينما كانت تنقر على لوحة مفاتيحها، شعرت بشيء غريب. لم تكن الكلمات تنساب كما اعتادت، وكأن روحها تحتاج إلى شيء أو شخص يوجهها. كان هنالك فراغ داخلي، شعور غريب بعدم القدرة على التعبير عن ذاتها، وكأنها فقدت الرابط الذي كان يربطها بعالمها الذي تعيش فيه.

استدارت إلى مرآتها، تنظر إلى عينيها، لكنها لم تر نفسها فقط، بل شعرت بأن هناك نورًا يُنير في عينيها، كأنه الطارق يطرق أبواب روحها. كانت تلك اللحظة الأولى التي شعرت فيها بشيء غير مألوف، شيء يتجاوز حدود عقلها ووجودها. هذا الطارق، كان صوتًا داخليًا يشبه مرشدًا روحيًا، أو صديقًا يُنير الطريق في عتمة الحياة.

طارق لم يكن ينصحها بالكلمات أو بالعبارات التقليدية، بل كان يشجعها على استكشاف الذات، يدفعها للبحث في أعماقها حيث تسكن الحقيقة التي لم تكتشفها بعد. كان له تأثير سحري، مثل الضوء الذي يكشف عن أشياء كانت مخفية في الظلام. أحيانًا كان يهمس: "اكتبي كما تشعرين، دعينا نكشف عن روحك الحقيقية." وأحيانًا كان يدفعها: "لا تخافي من الضعف، فالقوة تولد من الصدق مع الذات."

كان يوجهها كما لو كان يتحدث عن نفسها، لكن بصوت لا يشبه صوتها. كان يرافقها في كل خطوة من خطواتها، وفي كل كلمة تكتبها. أصبح جزءًا من العملية الإبداعية، في كل حرف تُدخله في النص، كان يشعر به كأنما هو يراه بأعينه.

بفضل الطارق، قررت أن تشارك قصصها مع العالم. أنشأت مدونة أطلقت عليها اسم "ذات"، حيث كانت تنشر نصوصها بكل جرأة وصدق. لم تكن تكتب لتجد شهرة أو اهتمامًا، بل كانت تكتب لتحقق تواصلًا حقيقيًا مع نفسها أولًا ومع الآخرين ثانيًا. بدأت كلماتها تصل إلى قلوب الناس، وكأن كل حروفها كانت مرآة تعكس مشاعرهم هم أيضًا. كانت تشعر بأنها تعيش تجربة مشتركة مع كل من قرأ ما كتبته.

وذات يوم، بينما كانت تُراجع تعليقات القراء، قرأت تعليقًا يقول: "كلماتك تشعرني بأنني لست وحدي، شكرًا لأنك تكتبين." حينها أدركت أن الطارق كان أكثر من مجرد صوت، كان جزءًا من رحلتها لاكتشاف حقيقتها، وأن الكلمات التي بدأت بها هي مرآة نفسها التي أصبحت تنير طريق الآخرين.

ومع مرور الأيام، بدأت تكتشف أن الطارق ليس مجرد شخصية خيالية أو فكرة عابرة، بل هو صوت يتردد داخلها، وهو المرشد الذي يجعلها تدرك عمق مشاعرها وأفكارها. كان الطارق يدفعها لأن تكون أكثر صدقًا مع نفسها، وأن تفتح قلبها للآخرين دون خوف أو تردد. وكلما كانت تكتب أكثر، كانت تكتشف المزيد من أبعاد شخصيتها.

وفي تلك اللحظات، بدأ الطارق يصبح أكثر من مجرد صوت داخلي. أصبح شخصية حيّة، كان يدفعها للنمو والتطور الشخصي، ليرشدها نحو الطريق الصحيح في حياتها. بدأت تدرك أن الكتابة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر، بل هي طريقها لاكتشاف الذات وتطويرها.

وعندما بدأت تعيش هذه التجربة، أصبح الطارق بالنسبة لها أكثر من مجرد إلهام في الكتابة. أصبح رمزًا للوعي الداخلي، للنضوج الشخصي، وللثقة التي كانت تفتقر إليها في البداية. مع مرور الوقت، أصبحت مرآتها لا تعكس فقط صورتها الظاهرة، بل أصبحت تعكس أيضًا جوانبها الداخلية، الأماكن التي كانت تخشى النظر إليها في الماضي.

انتهت القصة، لكنها لم تكن النهاية... بل البداية لرواية طويلة من الإبداع والاكتشاف. كانت "مرآة الطارق" تفتح أمامها أبوابًا لم تطرقها من قبل. هذا الطارق الذي أصبح جزءًا من شخصيتها، سيبقى يرافقها في كل خطوة تخطوها نحو ذاتها الحقيقية.

الطارق، يمثل الصوت الداخلي أو القوة التي تظهر في لحظات التحول والوعي، بينما الـ"مرآة" تعكس الذات والحقيقة التي قد نكون غافلين عنها. في النهاية، يمكننا أن نفهم أن الصوت الذي يطرق أبواب وعينا ليس مجرد صوت عابر، بل هو انعكاس لجوانبنا العميقة التي قد نكتشفها حين نسمح لهذا الصوت بأن يوجهنا.

تعليقات

عدد التعليقات : 3
  • غير معرف2 ديسمبر 2024 في 5:23 ص

    جميلة اوي ♥

    إضافة ردحذف التعليق

    » ردود هذا التعليق

    • M_yasser2 ديسمبر 2024 في 6:04 ص

      منحه وهبه من الله اكتشاف كل ذات للطارق الخاص بها
      لكي يرشده الي طريقه ويدفعه لتحقيق ما اخذته منه الحياة ويكون داعمة للنجاة من افخاخها
      فهنيئاً لمن يجد طارقة

      إضافة ردحذف التعليق

      » ردود هذا التعليق

      • العمدة محمود طنطاوى4 ديسمبر 2024 في 2:14 ص

        تحليل جميل بالقصه ونحن نسميه هاتف نسمعه وانتي سميتيه بالطارق الذي يطرق مسامعنا.. احسنتي وليت كل انسان يستمع الي الطارق ويتفكر ويتدبر ليصنع معجزات حسنه

        إضافة ردحذف التعليق

        » ردود هذا التعليق