في عالم يعج بالتكرار، أصبح من الصعب أن نجد أنفسنا نخرج عن هذه الدائرة المغلقة. كلما تكررت نفس الأنماط، كانت الأسئلة تتراكم في ذهني: لماذا لا نتقدم؟ لماذا تبقى الأمور على حالها رغم الجهود التي نبذلها؟ لماذا نكرر نفس الأخطاء دون أن نتعلم منها؟ هذه الأسئلة التي تظل حاضرة في ذهن كل فرد منا، سواء على مستوى الحياة الشخصية أو المجتمعية. ومع ذلك، يبقى الجواب غامضًا وغير واضح؛ فنعود من جديد إلى نفس الأنماط والسلوكيات التي أوصلتنا إلى نفس النتيجة. فهل يكمن الخلل في الواقع أم في طريقة تفكيرنا؟
إذا نظرنا إلى المجتمعات التي حققت نجاحات باهرة، نجد أنها لم تحقق ذلك من خلال تكرار ما كان. بل بالعكس، كانت هذه المجتمعات تجرأت على تجاوز المألوف، وتفوقت على نفسها. تصحيح المسار يبدأ دائمًا بتقدير الوضع الراهن والاعتراف بأن التغيير ضروري. لن نتمكن من التحسين ما لم نكن مستعدين لتحمل المسؤولية وامتلاك الشجاعة لتغيير المسارات. الأمم التي حققت التغيير والتطور هي التي أخذت على عاتقها مهمة تجديد أفكارها وإعادة النظر في ممارساتها.
لكن السؤال يظل قائمًا: هل نتعلم من أخطائنا حقًا؟ ففي حين أن الجميع يدركون ضرورة التغيير، إلا أن الأفعال تكاد تكون دائمًا هي نفسها. في العلاقات الشخصية، على سبيل المثال، نكرر نفس الأنماط السلوكية: الأخطاء نفسها، المواقف نفسها، ردود الأفعال نفسها. فكم من مرة فشلت صداقة بسبب نفس التصرفات غير الناضجة؟ وكم من مرة انهارت علاقة عاطفية بسبب نفس الخوف من التغيير أو التمسك بالمألوف؟ الاستمرار في ذات الدائرة من التصرفات بدون مراجعة أو تعديل يجعلنا نعلق في حلقة مفرغة من الندم والخوف، ويحول التجربة إلى عبء بدلاً من فرصة للنمو.
إن استراتيجيات التغيير تتطلب منا أن نكون مستعدين للتعلم من الماضي. فالتكرار في العلاقات لا يقتصر فقط على الأخطاء، بل يمتد ليشمل ما يمكن أن نسميه “الراحة الزائفة” التي نجد أنفسنا نبحث عنها. الراحة التي تأتي من معرفة أن الأمور ستستمر كما هي، لأننا نعتقد أن هذه الطريقة هي الأقل تكلفة على المستوى النفسي. لكن هذا يؤدي إلى تكرار المزيد من الأخطاء.
من أجل ذلك، يجب علينا أن نعيد التفكير في مفهوم "التغيير". التغيير ليس مجرد فعل وقتي ننتظر من خلاله أن تتحسن الأمور بين ليلة وضحاها. التغيير هو عملية مستمرة تتطلب منا التواضع والقدرة على تعلم الدروس، حتى عندما نكون في ذروة النجاح أو في وسط الأزمات. لا يكفي أن نكون واعين بضرورة التغيير، بل يجب أن نكون مستعدين له على أرض الواقع. إذا كنا في علاقة أو عمل، فإن المضي قدمًا يتطلب خطوة جادة من التفاعل والتغيير الفعلي في سلوكنا وأسلوب تعاملنا مع الآخرين.
قد يكون أحد الأسباب الرئيسة وراء التكرار هو الخوف من الفشل أو الفقدان. لذلك نجد أن الناس يفضلون التمسك بالروتين المريح، حتى وإن كان يؤدي إلى نفس النتيجة. ربما الخوف من المجهول هو الذي يجعلنا نختار البقاء في أماكننا، متجنبين التغيير خشيةً من العواقب. لكن هذا الخوف هو الذي يعوق تقدمنا ويمنعنا من تجربة إمكانيات جديدة.
التغيير لا يأتي إلا عندما نختار أن نكون جريئين في اتخاذ قرارات جديدة. عندما نقرر أن نفتح أمام أنفسنا أبوابًا لم نكن نراها من قبل. وهذا يشمل القرارات الكبيرة مثل تغيير مسار حياتنا المهنية أو تغيير طريقة تعاملنا مع الآخرين، وكذلك التغييرات الصغيرة التي يمكن أن تصنع الفارق الكبير على المدى الطويل. يجب أن نكون مستعدين للتخلي عن نمط الحياة الذي نعرفه والانتقال إلى نمط جديد، لأن هذا هو السبيل الوحيد للتطور.
لا يمكن أن نحقق نتائج أفضل ونحن نعيش في دائرة التكرار. إذا كانت الأمة بأكملها لا تزال تتبع نفس الطرق التي جلبت لها الفشل في الماضي، فلا يمكننا أن نتوقع تغيرًا. وإذا كانت العلاقات لا تتجدد ولا تتعلم من الأخطاء الماضية، فإنها ستظل تواصل الدوار حول ذات النقاط، ولن نرى أية تحسنات. الحياة تحتاج إلى التغيير المستمر، والتقدم يتطلب إيمانًا قويًا بأن الأفضل ليس بعيدًا.
إذا كنت ترغب في كسر النمط العقيم الذي يقيدك، يجب عليك أولًا أن تعترف بأن التغيير ضروري. تغيير الطريقة التي تتعامل بها مع الأمور، تغيير رؤيتك للأشياء، تغيير الطريقة التي تتفاعل بها مع الأشخاص. لن يحدث التغيير ما لم نكن مستعدين لمواجهته بشجاعة وإرادة قوية. ولا يهم كم مرة فشلنا، فما يهم حقًا هو أننا نقرر أن نتوقف عن التكرار ونتخذ خطوة نحو التغيير الفعلي.
إذا لم نكسر هذا النمط، فسيظل يلاحقنا إلى الأبد. فهل نحن مستعدون لتغيير الطريق؟ وهل نحن قادرون على الإيمان بأن التغيير يمكن أن يحدث إذا بدأنا من داخلنا؟