سفيرة الكلمات

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

في البداية، كانت الإجابة بسيطة وواضحة، كما هو حال معظم الأطفال الذين يرون العالم بلونٍ واحد، ووظيفةٍ واحدة ترمز إلى النجاح أو القوة أو الظهور. كنتُ أرى حياتي مرسومة بكلمات قصيرة، وعيون مفعمة بالحماسة.

حينما كنتُ طفلة، كانت أحلامي تتأرجح بين مهنتين. وكلما سُئلت: "عايزة تبقي إيه لما تكبري؟" كنت أجيب بثقة وبدون تردد: "صحفية." لم أكن أفهم تمامًا معنى الكلمة، لكنني كنتُ أعلم أن للكلمات سحرًا وقدرة على إحداث فرق، وأن الكتابة قد تكون مفتاحًا لعالمٍ أوسع من خيالي الصغير. كنتُ أريد أن أتكلم، ويستمع إليّ العالم.

ومع مرور الوقت، تغيّرت الأحلام. ذات يوم قلت: "أنا هطلع سفيرة." لم أكن أعرف الكثير عن طبيعة هذه الوظيفة، لكنني كنت أراها تحمل هيبة وسفرًا ولقاءات، وتمنح من يشغلها قدرة على التأثير وصنع فرق. كنت أرى في هذا الدور قيمةً ومعنًى، ومكانة لا تُمنح بسهولة.

لكن النضج علّمني أن الصحافة ليست مجرد نقل أخبار، بل رحلة مستمرة في البحث عن الحقيقة، وسعي دؤوب لإحياء الأفكار والمشاعر. لم تعد الكتابة مهنةً فقط، بل أصبحت تجربةً شخصية، أعيشها مع كل كلمة تُكتب، وكل شعور يُترجم على الورق. لم تعني الصحافة عندي تأريخًا للأحداث، بل وسيلة لنقل ما لا يُقال، وما لا يُرى.

وفهمت أيضًا أنني لا أحتاج إلى أن أكون سفيرةً ترتدي زيًا رسميًا وتتنقل بين البلدان. يمكنني أن أكون سفيرةً من نوعٍ آخر... سفيرة للكلمات. أكتب لأوصل رسائل تحمل الأمل، وأعبّر عمّا بداخلي بصدق وعمق، وأزرع أثرًا في قلب من يقرأ.

اليوم، حين أنظر إلى نفسي، أجد أنني صرت صحفية وسفيرة في آنٍ واحد، ولكن بطريقتي الخاصة. أكتب لأنني أؤمن أن الكلمة تستطيع أن تغيّر، حتى لو شيئًا بسيطًا. لقد أصبحت الكتابة هويتي، وصوتي الذي يصل إلى من يريد أن يستمع.

ربما لم أرتدِ شارةً دبلوماسية، ولم أُمثّل وطني في المحافل، لكنني أؤمن أن كل حرف أكتبه هو تمثيل صادق لذاتي، ورسالة موجهة إلى العالم. فالسفارة الحقيقية تكمن في التأثير النابع من القلب، وفي الكلمة التي تُلامس وجدان شخصٍ ما في اللحظة المناسبة.

أدركت أن الكلمات هي طريقتي في السفر بين العقول والقلوب، دون أن أحتاج إلى تذكرة طيران. الكتابة هي سعادتي، هي عالمي، وفي كل مرة أكتب فيها، أشعر أنني أفتح أبوابًا لعوالم جديدة، وأبني جسورًا من الروح إلى الروح.

تعليقات

عدد التعليقات : 0