حينما نمر بتجارب قاسية، يظل السؤال يلح في أعماقنا: "ماذا استفادوا؟". كيف يمكن أن تضرنا بأشد الطرق الممكنة ثم تمضي، تاركاً خلفك حطاماً ومشاعر جريحة، وأنت تشاهد الشخص الذي كنت عليه في الماضي يتناثر تحت أقدامهم، ليصبح شخصاً جديداً، لا يشبه من كان قبلاً؟ ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها من آذاك، وتسبب في دمارك عن عمد؟ هل كانت تلك لحظات من القوة المزعومة لهم، أم أن السعادة التي وجدوا فيها هي سراب؟
هناك شعور عميق بالخيبة يحاصرني حين أفكر فيهم، كيف لهم أن يظنوا أن تدمير الآخرين يمكن أن يكون مصدر انتصار أو قوة؟ هل كانوا يعتقدون أنهم بتحطيمنا سيصلون إلى ذروة العظمة أو سيكتسبون شيئاً ذي قيمة حقيقية؟ الفكرة التي لم أتمكن من فهمها يوماً، هي أن بعض البشر يعتقدون أنهم بجرحنا، يجدون متعة أو نوعاً من التفوق الذي يخفف عنهم فراغهم الداخلي. ولكن، هل يعلمون حقاً ما الذي قد جلبوه في النهاية؟
آذاوني وأساءوا إليَّ لأسباب قد تكون لا تتعدى لحظة من التسلية أو الشعور بالقوة الزائفة، لكنهم لم يدركوا أن تلك الآلام التي زرعوها في داخلي لم تُؤثر عليّ كما ظنوا. نعم، جرحوني، لكن لم أكن ضعيفة كما توقعوا. كل كلمة آلمتني، كل لحظة من الظلم، وكل ألم عشته بسببهم، كان يحولني شيئاً فشيئاً إلى شخصية أكثر قوة، وأعمق وعياً. ربما لم يروا في البداية أنهم ساهموا في نحت شخصيتي الجديدة، لكنني اليوم أستطيع أن أرى أن تلك اللحظات القاسية كانت مجرد دروس جاءت على هيئة الألم. كانوا يظنون أنهم يغرقونني في المعاناة، لكنهم ساهموا في صقل إرادتي وجعلني أتحول إلى إنسانة أكثر مقاومة لما يمر في حياتي.
من الطبيعي أن نشعر بالحزن والمرارة حين نتعرض للظلم. ومن الطبيعي أن نبحث عن العدالة التي لم تأتِ في وقتها. لكن الحقيقة التي يجب أن نعيها هي أن معاناتنا، وإن كانت قاسية في لحظاتها، هي ما تقوي داخلنا جذور الصبر، وتمنحنا فهماً أعمق لمعنى القوة الحقيقية. لا تكمن القوة في تدمير الآخرين، بل في قدرتنا على الاستمرار رغم كل ما يُلقى في طريقنا من عقبات، ورغم كل من أرادوا أن نكون مجرد ذكريات محطمة.
لكن، هل فكروا في اللحظة التي سيتحملون فيها عبء أفعالهم؟ هل ستكون قدرتهم على التحمل كقدرتنا نحن على النهوض بعد كل سقوط؟ لا أعتقد ذلك. حينما نتعرض للآلام، نحن نتغير، نتطور، لكنهم هم من يبقون في مكانهم عالقين في الحقد، والفراغ الذي يملؤه الحقد فقط. لو علموا كيف يمكن أن تظل الروح حية رغم الجروح، لما حاولوا تدميرها في البداية.
استفادوا من شيء واحد فقط: جعلوني أتعرف على نفسي بشكل أعمق، وأصبح لديّ القدرة على إعادة بناء حياتي، رغم كل شيء. وأعلم اليوم أنني أقوى بكثير مما كانوا يظنون.