في عمق الزجاج

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

في صباح هادئ، استيقظت ليلى على صوت ضعيف في داخلها، صوت لا يشبهها، أقرب إلى نبضات متعثرة تحاول التمسك بالحياة. شعرت أن هناك شيئًا غريبًا في هذا الصباح، شيئًا ثقيلًا يغمر صدرها.

التفتت إلى المرآة بجوار سريرها. للحظة، تجمدت. لم تكن تلك ملامحها المعتادة. اقتربت ببطء، بالكاد تتنفس، وكأنها تخشى أن تصطدم بحقيقتها الجديدة. هناك، في عمق الزجاج، انعكست امرأة غريبة.

كانت أكبر سنًا، وجهها مجعد ومرهق، عيناها مطفأتان. لم يكن هناك أي أثر لتلك النظرة الحية التي كانت تعبر عن روح مليئة بالطاقة والشغف. شعرت برغبة عارمة في تحطيم المرآة، لكنها تراجعت.

"من تكونين؟" سألت المرأة في المرآة، لكن الصوت الذي صدر لم يكن صوتها المعتاد. كان صوتًا مليئًا بالضعف والانكسار.

جلست ليلى على حافة السرير، تحاول أن تستوعب ما يحدث. "أنا لست أنا... أنا في جسد امرأة لا أعرفها، لا أحبها... كيف يمكنني أن أكونها؟"

لم تستطع السيطرة على تدفق الأفكار. كل كلمة قالتها في الماضي عن ثقتها بنفسها بدت وكأنها سخرية الآن. أين ذهبت تلك المرأة القوية التي كانت تعرفها؟ أين ذهبت تلك الفتاة التي كانت قادرة على إضاءة المكان بابتسامتها؟

كانت الذكريات تنهش بها. أصدقاء كانوا يقولون لها دائمًا: "أنتِ دائمًا جميلة، وجهك وجه القمر." لكنها لم تعد ترى في كلماتهم سوى خنجر يطعن قلبها. "هل ما زلت جميلة حقًا؟ أم أنهم كانوا يخفون الحقيقة؟" فكرت ليلى، وهي تشعر بالمرارة تغمرها.

لكن الألم لم يكن في مظهرها الجديد فقط، بل في الوحدة، ذلك الشعور الموحش الذي تسلل إلى حياتها دون استئذان. لم يطرق أحد بابها منذ زمن طويل. لم يرفع أحد سماعة الهاتف ليسأل: "كيف حالكِ يا ليلى؟ أيمكنني أن أزوركِ؟ هل تحتاجين شيئًا؟"

لم يأتِ أحد ليقول: "أنا هنا، إن أردتِ الحديث."

كانت الوحدة أثقل من التجاعيد التي رسمت على وجهها فجأة، وأقسى من الانكسار الذي شعرت به في كل خلية من جسدها.

"ربما هذا عقاب من الحياة..."، همست لنفسها، ثم استدركت: "لكن لماذا؟ ماذا فعلت لأستحق كل هذا؟"

أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تحاول الهروب من كل شيء، من المرآة، من الوحدة، من الألم. لكنها أدركت أن الهروب ليس حلًا. صوت داخلي همس: "لن يمكنكِ الهروب يا ليلى. إذا لم تواجهي، ستبقين عالقة هنا، في هذه اللحظة، إلى الأبد."

ببطء، فتحت عينيها، عادت إلى المرآة، نظرت إلى المرأة التي لم تعترف بها في البداية، لكنها الآن ترى شيئًا مختلفًا. لم تكن فقط امرأة غريبة؛ كانت امرأة تحمل قصصًا منسية، وآلامًا لا تُحصى، وتجاعيد رسمتها الأيام بدقة.

تنهدت وقالت: "لا أعرفكِ، لكن ربما يجب أن أتعرف عليكِ. ربما عليكِ أن تعرفيني أيضًا. وربما... فقط ربما... يمكنني أن أحبكِ يومًا ما."

نهضت بخطوات بطيئة، لكنها كانت تعلم أن كل خطوة، مهما بدت صغيرة، هي بداية الطريق. لم تكن الرحلة سهلة، لكنها قررت أن تواجهها، أن تواجه تلك المرأة في عمق الزجاج.

تعليقات

عدد التعليقات : 2