لماذا لم تطمئن عليّ ؟!

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث

ألم تشعر بثقل الصمت الذي يطوقني؟ ذاك الصمت الذي يعصف بداخلي كعاصفة مكبوتة، يجرحني كخنجر غائر لا أجرؤ على نزعه. ألَم تلمح الإشارات التي بعثرتها بعناية؟ تلك النظرات العابرة، الارتباك في الحركات، الكلمات التي لم تكتمل؟ كنت أظن أن بيننا لغة لا تحتاج إلى أبجدية، وأن حكاياتنا كافية لتقرأني دون أن أتكلم. لكنك اختفيت.

اختفيت في اللحظة التي كنت فيها على شفير الهاوية. لحظة كان يمكن لصوتك وحده أن يعيدني من ذلك السقوط الحر، لحظة كنتُ أحتاج فيها وجودك أكثر من أي وقت مضى، ليس كحضور عابر، بل كطمأنينة تُلقيها في روحي.

أنا لست بخير. لا أحاول تجميل الحقيقة، ولا أبحث عن كلمات تخفف من وطأة الألم. أنا لست بخير، وكل شيء بداخلي يصرخ بهذا. أشعر وكأنني أُحاصر في دائرة تضيق مع كل لحظة تمر. الهواء ثقيل، كأنه يُكبل أنفاسي. الأيام تتشابه، بلا طعم ولا لون. الأشياء التي كنت أجد فيها ملاذي أصبحت خالية من العزاء، والوجوه التي كانت مأمني أصبحت مرايا قاسية تعكس كل هشاشتي.

لماذا لم تسأل؟ ألَم يكن غيابي كفيلاً بأن يثير بداخلك تساؤلاً؟ ألَم يكن صمتي نداءً كافياً؟ هل أحتاج أن أرفع رايات استغاثتي علناً كي تشعر؟ كنت أنتظرك أن تقترب، أن تخترق تلك الجدران التي أُحيط بها نفسي، أن تلمح الشرخ في ابتسامتي المصطنعة وتسألني، فقط تسألني: "ماذا بكِ؟"

ربما كنت سأكذب، ربما كنت سأبتسم وأقول "لا شيء"، لكن مجرد سؤالك كان سيُرمم جزءًا من روحي المتصدعة. كان سيخبرني أن هناك من يرى الألم الذي أحاول جاهدة إخفاءه.

أنا لا أطلب الكثير، أليس كذلك؟ أطلب أن تشعر بي. أن تدرك أن خلف هذه الابتسامة الهادئة بحرًا مضطربًا من الأحزان. أن تلمح في عيني رجاءً دفينًا، في صمتي صراخًا مكبوتًا، في حركاتي المتوترة محاولة للهرب من نفسي. أحتاج كلمة واحدة، نظرة واحدة، أو حتى صمتًا مليئًا بالدفء، صمتًا يُشعرني أنك هنا، أنك ترى!

كيف أشرح لك هذا الإحساس؟ هو أشبه بالوقوع في هاوية بلا نهاية، حيث كل لحظة تمضي تزيد من عمق السقوط. تحاول الصراخ، لكن صوتك يُحبس داخلك. تحاول التشبث بأي شيء، فلا تجد سوى الفراغ. وفي هذا الفراغ، كل ما أحتاجه هو يد تُمد إليّ، يدك أنت تحديداً، لتنتشلني من هذا التيه.

لكنك تبدو بعيداً. بعيداً كأنك في عالم آخر، وكأن المسافة بيننا صارت أميالاً رغم أننا تحت ذات السماء. ألَم نكن يوماً قريبين بما يكفي لنشعر ببعضنا دون الحاجة لكلمات؟ أين ذهبت تلك اللحظات التي كنا نكمل فيها جُمل بعضنا البعض؟ هل تلاشت أم أنك اخترت أن تتجاهلها؟

لا أعاتبك، ليس لأنني لا أريد، بل لأن العتاب يحتاج إلى طاقة لم تعد لدي. أنا فقط أقول ما بداخلي، أقول لك إنني أحتاجك، وإنني، رغم كل شيء، ما زلت أبحث عنك في كل تفصيلة صغيرة. في الكلمات التي أكتبها، في الذكريات التي تعودني، وحتى في الصمت الذي يثقلني.

ربما لن تصل هذه الكلمات إليك. وربما ستعتبرها مجرد شذرات من وجع عابر. لكنني أكتبها لأنني أريد أن أكون صادقة مع نفسي، أن أقولها حتى وإن لم يسمعها أحد. أريدك أن تعرف أن غيابك كان كالجُرح الذي لا يندمل، وأنني أرهقت من ارتداء أقنعة القوة التي لم تعد تناسب وجهي.

وإن شعرت يوماً أنك تريد أن تسأل، فقط اسأل. لا أحتاج أكثر من ذلك. وإن شعرت أن هذه الكلمات ليست سوى نداء في فراغ، فلا بأس. سأتعلم أن أكون بخير وحدي، حتى وإن استغرق ذلك عمراً. لكن حتى ذلك الحين، سأظل أتساءل: لماذا لم تطمئن عليّ؟

تعليقات

عدد التعليقات : 5