نصف ابتسامة

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث
روح الملاك في هيئة نور

هو الغاضب ذو الملامح الطفولية الحزينة.. يبدو هادئ الطباع ولكن بداخله نيران لا تخمد، يبدو دائماً انه يبحث عن شيء ضائع .. أو ربما ينتظر عودة غائب ولكن دون جدوى ، فلا الضائع يجده ولا الغائب يعود.. هو الصامت المتكلم هو الشارد المنتبه .. هو النور، هو الخيميائي الذي يجمع كل عناصر الحياة في قلبه، هو الترابي الهادئ والمائي الحنون والهوائي المتقلب والناري المقاتل.. هو المستسلم المتمرد، هو الذي يُظهر الاستسلام والتسليم في تصرفاته وخطواته وحديثه.. ولكن هيهات.. فما زال ينظر نحو الماضي من حين إلى آخر كزائر لقبور موتى أعزاء، زيارة لا تشفي ألم ولا تعيد حبيب..
هو القادر بقدرة الله أن يحول الألم إلى شفاء والحزن إلى فرح..
"طبيب للأطفال" وتبدو كلمة عادية ولكن يكمن بداخلها الأمل لأم تنهار على طفلها المريض، وأب يشعر بالانكسار وقلة حيلته..
روحه تشبه أرواح الملائكة المتمثلين في هيئة أطفال صغار يعشقونه بمجرد أن يقتربوا منه.. فسبحان من وضع في وجه القبول وفي روحه الأمان.


---

في عالم الذكريات: حلمٌ لا ينتهي

غرفة نوم خشبية باللون البني الغامق وسجاد يفترش أرضية الغرفة باللون الأحمر الداكن يغطي جزء كبير من بلاط ذو رسمات قديمة إلى حد ما، وإضاءة تعكس هدوء أسرة يملأها السكينة بوجود أم تداعب طفلها الذي توقظه صباحاً ليذهب إلى الروضة.. دقات منبه قديم يعتلي سطح كومدينو يمتزج صوت المنبه مع دقات هاتف محمول..
الهاتف لنور الذي يعيش داخل حلم يري فيه نفسه طفلا وأمه التي تداعبه أثناء إيقاظه صباحاً.
وبين يقظة ونوم يمد نور يده ليُسكت صوت الهاتف، يحاول نور الشاب أن يفيق من نومه  فيفتح عينيه ليرى نفسه طفلاً في الرابعة من عمره يقف أعلى كرسي أمام تسريحة قديمة خاصة بغرفة النوم ليتمكن من رؤية نفسه بملابس الروضة أمام المرآة، بينما تقوم الأم بهندمة ملابسه وشعره، صوت ضحكات الطفل تعلو والأم تقبله ثم تحضنه.


---

نصف ابتسامة

وبين واقع وخيال، ينام نور الشاب في سريره مستلقياً، يتابع في صمت الأم وهي تداعب الصغير ويبتسم نصف ابتسامة، وضحكات الطفل وأصوات همهمة ممزوجة بصدى صوت يسمعه عالياً دون تفسير لكلمات معينة.

قرر نور أن يقترب من المشهد فقام من فراشه واتجه نحو المرآة ليرى الأحداث واضحة، ربما يكون في استطاعته أن يشارك فيها. فوقف أمام المرآة وأصبح يرى الأم و"نور" الصغير أمامه في المرآة وكأنه يشاهد صورة متحركة أو تلفاز قديم، صورته واضحة ولكن الحديث فيه مهمهم وغير مفهوم.. يقف نور الشاب ترتسم على وجهه نصف ابتسامته التي لم تكتمل.والأم مستمرة في هندمة ومداعبة الطفل الصغير "نور" بكلمات قد وضحت تصدر بصدى صوت مكتوم. 
الأم: حبيبي، نفسي أعيش لما أشوفك أكبر دكتور في الدنيا.
لم يسمع نور سوى تلك الجملة فهي الوحيدة الواضحة وسط الهمهمة.

ودقات الهاتف المحمول تصدر عالية، ينظر "نور" لبرهة خلفه نحو الهاتف الذي يدق أعلى الكومدينو ثم يعود ليكمل مشاهدة الصورة المتحركة فلا يجدها، لم يستغرق إلتفاته نحو الهاتف سوى أقل من نصف ثانية ولكن تلك اللفتة كانت نهاية المشهد ونهاية لحلمه الذي كان يراه وهو نائم، فيفاجئ بنفسه شاباً يقف أمام مرآة غرفة نومه، الحديثة المودرن بألوانها الهادئة وإضاءة خافتة وسجاد يفترش أرضية الغرفة باللون الفاتح الذي يتماشى مع أرضيتها الباركية بنية اللون.

---

صحوة مؤلمة

أدرك نور أنه كان ما زال نائماً يحلم بطفولته وأمه التي يفتقدهما طوال الوقت.
وما زالت دقات الهاتف عالية، يسير نور نحو الهاتف يظهر اسم المتصل هو "Hospital".


---

شوارع الحياة المزدحمة

في شارع واسع يقف جانباً تاكسي أبيض موديل سيارة شاهين ألفينات.. يقف التاكسي في انتظار قدوم نور.
يخرج نور من بوابة بناية كبيرة ويتجه نحو التاكسي.. ثم يركب.
يسير التاكسي في شوارع مدينة مزدحمة بينما نور ذلك الشارد بذهن حاضر سارحاً في كلمات أغنية خاتم سليمان "عاشق سارح في الملكوت ميهموش العمر يفوت يدفع في الحرية حياته ولو اتكتف للحظة يموت" تعمل في كاسيت التاكسي.

---

الفقد والحياة: في قلب المستشفى

وصل التاكسي أمام بوابة المستشفى، ينزل نور من التاكسي.. هناك زحام شديد على إحدى جوانب بوابة المستشفى من الخارج وأصوات صراخ وعويل ممتزجة بأحاديث لأناس آخرين وأصوات متداخلة منها ما يذكر الله ويحوقل من شدة بشاعة ما يحدث، وهناك سيارات إسعاف يسرع الجميع لحمل مصابين يقومون بإدخالهم إلى المستشفى.
يقف نور في صمت بعيون لامعة تذكر الله.


---

الحياة والموت: مواجهة إنسانية

امرأة في غرفة عمليات تلد طفلاً قبل ميعاد ولادته الطبيعي.
سيدات من تمريض المشفى يسرعن بالخروج والدخول من وإلى غرفة العمليات.
إحدى سيدات التمريض: الست ماتت.
تسرع ممرضة أخرى تحمل الوليد إلى قسم حضّانات الأطفال داخل المشفى.
سيدة ثالثة: دي كانت جاية في الحادثة طلعوا من بطنها الولد وهي بتموت.

يقف نور جانباً يستمع إلى ما يقال في صمت وعيناه تذهب وتأتي مع المارة المسرعين

---

رحلة أمل جديدة 

امام قسم الحضّانة

أمام لوح زجاجي يقف نور يتابع أطفالاً داخل صناديق زجاجية في قسم الحضانة.
يخطف قلبه ذلك الوليد الذي ولد وماتت عنه أمه في التو واللحظة .. يظل نور ناظراً إلى ذلك الوليد بعيون لامعة تحبس دموعها .


---

إلى الأمل: رسالة نور

تأتي إحدى فتيات التمريض إلى نور وتقوم بإعطائه أغراض تبدو أنها أغراض الصغير الجديد.
يعود نور بنظراته نحو الوليد الجديد داخل صندوقه الزجاجي ثم يقرر أن يدخل إلى الغرفة.. فيدخل متوجهاً نحو ذلك الصغير.
يقوم نور بعمل إجراءات طبية للوليد الصغير ثم يقوم بتعليق أنبوبة التغذية ويقوم بإرضاع الوليد بنفسه بابتسامة حزينة على وجهه وعيون لا تقوى على حبس دموعها أكثر، فخانته وقررت أن تنهمر حتى ملئت وجنتيه، لقد رأى طفولته في ذلك الوليد.. رأي نفسه في عيون ذلك اليتيم 


---

قصة يُتم لا تنتهي 

فاليُتم قصة آلام لا تنتهي وفقدان لا يتوقف مهما مرت السنوات. لقد رأى نور في ذلك "الوليد"، قصة حياة تمتلئ بآلام ، شاء أو أبي ذلك الطفل سيعيشها لا محال، قصة يُتم وفقداناً لأمان سيحيا ما حيَّ يعاني منها ولن يجد من يعوضه.

ربما تجد من يطعمك وستأكل ولكنك لن تشبع، من يهندم مظهرك لتخرج على الناس جميلاً ولكنك فاقداً للثقة في نفسك، من يساعدك على دراسة ناجحة ولكنك ستنجح بدون داعمك الحقيقي، ربما تجد من يُلقي إليك "مزحة" فتضحك ولكنك ستخشى من الضحكة وستنهيها عند منتصفها، من يسمع شكوتك إذا تألمت ولكن بفقدان الأم لن تجد الأمان المتمثل في شخصها ، فهي الشبع دون إطعام، وهي الداعم دون الإفصاح، وهي الثقة من دون كلام، وهي الضحكة الكاملة من دون مزحات.

هذا هو نور.. يستطيع أن يدعم العالم بأكمله ويرى الأمل في كل ابتلاء، ضعفه وبكاؤه أمام الوليد لم يكن للوليد في حد ذاته، لقد كان يبكي للإنسانية بأكملها ، 
هذا هو "نور".. نور للجميع، وعمله ليس مجرد وظيفة إنها رسالة حب، رسالة إنسانية، رسالة أمل.
شكرا أيها النور.


تعليقات

عدد التعليقات : 0