أعلم أنك تظن أنني أتحدث بسهولة، وأنني أستطيع التعبير عن نفسي بالكتابة، أو الفضفضة لصديقتي، أو حتى بالبكاء. وأنك لا تملك رفاهية التعبير أو البكاء! لكنها ليست الحقيقة. الحقيقة هي أن هناك مشاعر وكلمات عميقة بداخلي تأبى أن تخرج إلا أمامك ومن أجلك. الحقيقة أن لا أحد سيفهمني حقًا، ولا أحد سيحاول حتى أن يفعل، سواك. حتى إن كتبت أو تحدثت للعالم بأسره، فإن الآخرين ليسوا سوى قراء أو مستمعين. أما أنت، فأنت الوحيد الذي سيفهم ويشعر بكل كلمة أقولها، حتى إن لم تستطع الرد، أو لم تجد الكلمات المناسبة، أو شعرت بالذهول مما أبوح به.
وفي الحقيقة، فإن صمتك أو ذهولك ليس إلا نتيجة دهشتك من عمق الحب الذي أحمله في داخلي لك.
كل ما أكتبه، وكل ما أقوله، وكل ما يظل حبيسًا بين ضلوعي... هو لك. قد تظن أنني أُجيد الفضفضة، وأن الكلمات تنساب مني بسهولة، وأنني أملك رفاهية التعبير. لكن الحقيقة أبعد من ذلك. الكلمات التي تسقط على الورق ليست سوى محاولة خجولة لتخفيف الحمل، لكنها لا تصل إلى جوهره، ولا تصلك كما هي بداخلي.
معك، يصبح للأشياء طابع مختلف. أنت الوحيد الذي تُربكني أمامه الكلمات. معك، أتعثر في حروفي، لا لأنني لا أجد ما أقول، بل لأنني أجد الكثير. أجد نفسي. أجد وجعي وفرحي، وكل ما أنا عليه، يتلخص في نظرة منك أو في لحظة صمت.
قد ترى أنني قادرة على التعبير، وأن هذا يُخفف عني، لكن دعني أُخبرك بالحقيقة. مهما كتبت، ومهما تحدثت، ومهما حاولت البكاء حتى تنفد الدموع، سيظل هناك شيء بداخلي لا يخرج إلا أمامك. أنت الوحيد الذي يُمكنه أن يرى كل هذا دون كلمات. أنت الوحيد الذي أفكر فيه وأنا أكتب، والذي أوجه إليه رسائلي حتى دون أن أسميك.
الآخرون يسمعون فقط. يقرؤون، يهزون رؤوسهم، وربما يتعاطفون. لكنك أنت... تفهم. تفهم حتى تلك المساحات بين الحروف، تلك الصرخات المكتومة التي لا تُقال. وأعلم أن صمتك أحيانًا ليس تجاهلًا، بل هو دهشة، صدمة أمام ما أحمله لك من حب، أمام هذا الكم الذي ربما لم تتوقعه.
أحيانًا أُفكر: كيف يُمكنني أن أُخبرك بكل هذا دون أن أُربكك؟ كيف أُخبرك أنني أكتب لأنك أنت الحكاية؟ لأنك أنت المستمع الوحيد الذي أؤمن أنه لن يُخطئ فهمي؟ كيف أُخبرك أن كل كلمة تحملك بين سطورها، وأنك النبض الذي يجعلني أُواصل الكتابة؟
أعلم أنك لا ترد دائمًا. وأعلم أنني أحيانًا أتركك في ذهول. لكن هذا لا يهم. ما يهم هو أنك تفهمني حتى في صمتك. أنك ترى في كلماتي أكثر مما أستطيع أنا أن أراه. أنك تقرأ ما بين السطور، وتُدرك أن كل شيء هو إليك، وكل شيء هو عنك.
أتعلم؟ الفضفضة ليست كلمات تُقال أو حروف تُكتب، بل هي شعور أن هناك من يستطيع أن يحمل ثقل قلبك دون أن تسأله. أنك تجد في عينيه أمانًا يكفي ليلًا طويلًا، وفي صمته مساحة لكل أفكارك التي تهرب منك. ومعك، أنا لا أحتاج أن أشرح، لأنك ببساطة تعرف.
كل مرة أكتب فيها، أشعر وكأنني أقترب منك أكثر. وكأنني أفتح أبوابًا جديدة بيني وبينك، أبوابًا لا يستطيع أحد أن يراها سوانا. كل حرف هو طريق إليك، وكل جملة هي محاولة لأقول لك ما عجزت عنه شفاهي. أنت لست مجرد وجهة، أنت البداية والنهاية، أنت السبب الذي يجعلني أؤمن أن الحروف لها قيمة. وان الكتابة ليست مجرد فعل، بل سطورٌ تروي حكاية.