مرّت الأيام على عم "حسن" وكأنها سلسلة من الأرقام والروتين المتكرر، منذ أول يوم له في وظيفته وحتى اليوم الذي وصل فيه إلى نهايتها. سنوات طويلة قضاها في العمل دون أن يلتفت أحد إلى الجهد الذي بذله أو الأوقات التي ضحّى بها. لم يكن يتوقع أن تكون نهاية مسيرته في العمل بهذه الطريقة، وأنه سيجد نفسه في مواجهة مع روتين إداري قاسٍ لا يهتم سوى بالأوراق والإجراءات دون النظر إلى الإنسان خلفها.
كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار، وكان عم حسن قد أنهى كل ما يتعلق بخطوات إنهاء عمله. شعر بشيء من الفخر وهو ينظر إلى الورقة التي تؤكد انتهاء مسيرته الوظيفية، لكنه في ذات الوقت كان يحمل مشاعر غريبة من القلق، خوفًا من أن يضيع حقه بين أوراق مكاتب المعاشات، كما ضاعت كثير من الأمور في حياته، فهو يعرف "السيستم".
قرر التوجه إلى مكتب المعاشات للحصول على مستحقاته، ولكن قلبه كان مليئًا بالتوجسات. هل ستكون الأمور سهلة؟ أم أن رحلته مع الروتين ستطول ؟!
كان يراقب كل شيء من حوله بعينين مليئتين بالتعب. بعد لحظات اقترب من أحد الموظفين وسأله عن حال أوراقه.
عم حسن: بعد إذنك، الورق بتاعي جاهز؟
الموظف: "استنى شوية، الورق مش جاهز."
لم يجد عم حسن سوى أن يعود إلى مقعده ويبدأ رحلة الانتظار الطويلة.
مرّت الساعات، وعم حسن لا يزال جالسًا في المكان نفسه. يراقب الموظفين يتنقلون بين الملفات كما لو كانوا يتحاشون التعامل معه. شعر بالعزلة وكأن هذا المكان أصبح سجنًا له. وكلما اقترب من أحد الموظفين، كان يتم إرجاعه إلى نفس النقطة:
الموظف: "الورق مش جاهز، استنى دورك."
بدأت تلك الكلمات تملأ قلبه بالغضب والقلق في آن واحد.
عم حسن (بصوت متحسر): "هل هكذا يكون جزاء عملي وخدمتي للناس العمر كله؟ هل هذا هو التقدير الذي استحقه بعد كل تلك السنين؟"
ومع تزايد ساعات الانتظار، بدأ عم حسن يُراجع نفسه. هل أصبح مجرد رقم في النظام؟ هل مرور الوقت جعله بلا قيمة؟ كانت التساؤلات تزدحم في رأسه وتزيد من شعوره بالقهر.
عم حسن (يحدث نفسه): "لماذا عليّ أن أقاتل للحصول على أبسط حقوقي؟ هل تعني هذه الأوراق كل شيء لدرجة أن إنسانيتي تُمحى؟"
بينما كان عم حسن مستغرقًا في أفكاره، لمح وجهًا مألوفًا يجلس على أحد المقاعد البعيدة. كان ذلك "علي"، زميله القديم في العمل، الذي بدا عليه التعب هو الآخر. اقترب منه عم حسن وتبادلا التحية.
عم حسن: "إزيك يا علي؟ من زمان ما شفناكش."
علي: "الحال هو الحال، الدنيا بتاخدنا لحد ما ترمينا هنا."
تحدثا عن أيامهما الماضية، وكيف كانا يعملا سويًا بروح الفريق، وكيف انتهى بهما الحال إلى هنا، عالقين بين الروتين البارد.
أعاد هذا اللقاء لعم حسن بعض الأمل، لكنه زاد من شعوره بالمرارة، إذ أدرك أن الكل يعاني.
وسط هذه الدوامة، دخل موظف جديد إلى القاعة. كان يبدو على وجهه نوع من الجدية. نظر إلى عم "حسن" مباشرة وقال:
الموظف الجديد: "أعتقد أن هناك مشكلة؟"
استجمع عم حسن قوته وبدأ يشرح ما مر به طوال اليوم، من تأجيلات متكررة ومن معاملة باردة. كان يتحدث من أعماقه، ليس فقط عن تأخير الأوراق، بل عن إحساسه بأنه أصبح غير مرئي، رغم كل ما قدمه طوال حياته.
استمع الموظف إليه باهتمام، ثم قال له:
الموظف الجديد: "سأساعدك الآن."
بدأ الموظف بتحريك الأوراق بسرعة وكفاءة. كانت العملية تتم بسلاسة، وكأن جميع العقبات التي وقفت في طريقه قد اختفت فجأة.
بعد ساعات طويلة من الانتظار، حصل حسن أخيرًا على مستحقاته. لكنه لم يشعر بالفرحة التي توقعها. كان الإنجاز محملًا بثقل من الحزن على سنوات ضاعت في انتظار التقدير الذي لم يأتِ.
أثناء خروجه من المكتب، مر بجانب "علي"، الذي لا يزال ينتظر دوره، فربت على كتفه وقال:
عم حسن: "الصبر هو السلاح الوحيد اللي معانا هنا."
حمل حسن أوراقه بيد، وفي قلبه ثقل التجربة. تعلم أن العالم لا يقدّر جهودنا كما نأمل، وأن علينا أن نكافح للحصول على حقوقنا. كانت رحلته درسًا قاسيًا عن الصبر، لكنه في النهاية شعر بشيء من الرضا، ليس لأنه حصل على حقه، بل لأنه قاوم حتى النهاية.