بأمر الطبيب

ذات
المؤلف ذات
تاريخ النشر
آخر تحديث
https://youtu.be/Ek4Tp3ZZFb4
              بأمر الطبيب          

في أحد البيوت العتيقة، وسط ريف مصر الجميل، حيث كانت لكل عائلة كلمتها العليا، وللكبير احترامه ومكانته بين الجميع، تدور قصتنا اليوم عن عصمت، ابنة الرجل الطيب، الرجل الذي كان يعرف دينه ويخشى الله، ويؤمن بأن للبنت نصيبًا في الميراث مساوٍ لنصف نصيب الولد، كما أمر الله.

    

قبل أن يرحل عن الدنيا، أوصى زوجته الحاجة اعتماد وأبناءه الذكور بأن يمنحوا أختهم الوحيدة حقها الشرعي، وأشهد الله عليهم بذلك. لكنه رحل، وضُربت وصيته عرض الحائط.

    

"كيف نعطيها شيئًا من الميراث؟! أليست متزوجة؟ كيف نسمح لرجل غريب أن يشاركنا أموالنا وأملاكنا وكأنه واحدٌ منا؟!"

    

عصمت كانت بحاجة إلى منزل، وكانت تشقى وتدّخر كل قرش لشراء شقة صغيرة تؤويها مع زوجها وبناتها ورضيعها. كلما طالبت إخوتها بميراثها، رفضوا بشدة.

    

ذات يوم، جاءها أحد إخوتها بعرضٍ لم تستطع رفضه: "إن كنتِ تريدين شقة، سأبيع لكِ شقتي في بيت والدي المغلق، فأنا بحاجة إلى المال لشراء بضائع."

    

فرحت عصمت وقالت في نفسها: "شقة في بيت أبي، لا بد أن أشتريها!"

    

جمعت كل ما ادخرته، وسلمته لأخيها على وعد بأن تكمل باقي المبلغ قريبًا. لكن الأخ أخذ المال واشترى به سيارة، ومرت الشهور، حتى تمكنت عصمت من تدبير باقي المبلغ بعد أن قبضت الجمعية، وباعت أثاث بيتها، بل واستدانت وسجّلت إيصالات أمانة على نفسها لتكمل ثمن الشقة.

    

ذهبت إلى أخيها لتدفع له باقي المال، لكنه كان قد سافر إلى ليبيا، فأودعت المبلغ عند أمها أمانة، وطلبت منها مفتاح الشقة، فكان ردها: "انتظري حتى يعود."

    

عاد الأخ، وذهبت إليه تطلب المفتاح، لكنه قال ببرود: "لن أبيع الشقة، لقد غيّرت رأيي!"

    

قالت له: "إذًا أعد إليّ مالي."

    

ردّ عليها بلامبالاة: "لقد خسرت كثيرًا، وليس لدي مال لأعيده لكِ."

    

شاء الله أن تمرض والدتها مرضًا خطيرًا، وبعد فحوصاتٍ طويلة، اكتشف الأطباء أنها مصابة بالسرطان، والمفاجأة أن المرض أصاب لسانها… "ذلك اللسان الذي رفض أن يشهد بالحق."

    

احتار الأطباء في حالتها، لم يجدوا لها علاجًا، وقالوا لأبنائها: "ادعوا لها، فقد عجز الطب عن شفائها."

    

ازدادت حالتها سوءًا، فذهبت عصمت لزيارتها، لعلها تعترف بحقها قبل فوات الأوان:

    

"أمي، قولي شهادة الحق، لعلها تشفيكِ… لعل الله يرحمكِ بها!"

    

لكن حتى في أصعب لحظاتها، أبت أن تعترف، واستمرت على عنادها، حتى انتشر المرض، ولم يعد هناك حلٌّ سوى استئصال الورم، وقَطع اللسان…

    

نُصحت الحاجة اعتماد بالخضوع للجراحة، لكنها رفضت، فأخذ المرض يلتهم لسانها شيئًا فشيئًا… حتى ماتت.

    

مرت الأيام، وسافر زوج عصمت للعمل بالخارج، فأرسل لها المال، فسددت ديونها، واشترت بيتًا بدل الشقة، وفتحت محلات تجارية، وازدهرت تجارتها، حتى أغناها الله من فضله.

    

أما إخوتها…

    
            
  • الأول سُجن في قضية مخدرات.
  •         
  • الثاني فقد ابنه أمام عينيه.
  •         
  • الثالث تعرض لحادثٍ أفقده إحدى ساقيه.
  •     
    

وأما البيت الذي كانت ترغب في شراء شقته، فقد ظل مهجورًا بلا ساكن…

    

سبحان الله، الدنيا دوّارة، والظلم لا يدوم، والحق يعود ولو بعد حين…

من سلسلة رُفعت الجلسة ⚖️.

تعليقات

عدد التعليقات : 0