قبل النطق بالحكم في هذه القضية، تود المحكمة أن تُلفت نظر حضراتكم إلى أن هذه الدعوى ذات طابع غريب، وأنها حيّرت المحكمة لا لصعوبتها أو تعقيدها، بل لكونها تجاوزت حدود التصور من حيث فداحة الجُرم وخطورة الفعل، مع بساطة موقف المجني عليه، الذي لم يرتكب أي خطأ جنائي، إذ إن كل ما فعله أنه منح توكيلاً لمحاميه.
نعم، المجني عليه لم يفعل سوى أنه حرر توكيلاً لمحاميه.
هذه القضية حيّرت المحكمة وأربكت القضاة، لا لتعقيدها القانوني، بل لأن تفاصيلها أذهلت عقل المحكمة من حيث جسامة الفعل الصادر ممن يُفترض بهم أن يكونوا الحُماة والأُمناء على حقوق الناس.
المتهم الأول، المحامي وليد، والذي كان وكيلاً عن المجني عليه، لم يكن حاضرًا الجلسة لكونه هاربًا من وجه العدالة.
المتهم الثاني يُدعى علي، وهو أيضًا محامٍ وكان يعمل مع المتهم الأول في المكتب ذاته.
أما المتهم الثالث، حسن، فكان على علاقة وكالة بالمتهم الأول، وقيل إنه كان يعمل في مكتبه كعامل.
هؤلاء الثلاثة اشتركوا في اصطناع إيصالات أمانة مزوّرة، وقد ثبت من خلال التحقيقات أن من حرر بيانات هذه الإيصالات هو المتهم الأول، المحامي وليد، الذي قام بتعبئة خمس إيصالات بمبالغ كبيرة (300 و400 ألف جنيه في كل منها)، وحررها بخط يده، ثم أحضر شخصًا مجهولًا ليوقّع عليها بدلاً من المجني عليه، وكتبها بصيغة تُظهر المجني عليه وكأنه استلم هذه المبالغ من المتهم الثالث، حسن.
وبعد التزوير، عمدوا إلى إقامة خمس دعاوى جنائية، حيث اتفق المتهم الأول مع المتهم الثاني على استغلال التوكيل الذي منحه المجني عليه لوكيله دون علمه، فتقدّم المحاميان أمام المحكمة؛ وليد بصفته وكيلاً عن المجني عليه يطلب الأجل للسداد، وعلي بصفته وكيلاً عن المتهم الثالث يطلب توقيع العقوبة.
وبذلك صدرت أحكام في القضايا الخمس، تبعتها معارضات واستئنافات ومعارضات استئنافية، مما أدى إلى صدور أحكام نهائية بلغ مجموعها 14 عامًا من الحبس بحق المجني عليه، الذي فوجئ بهذه الأحكام دون أن يدري ما جرى.
وقد تم القبض على المجني عليه لتنفيذ هذه الأحكام، وبدأ ذووه التحقيق والسعي لفهم ما حدث، فذهبوا إلى المتهم الثالث، حسن، فطلب منهم الرجوع إلى المتهم الأول، وليد، الذي بدوره طلب مبلغ 160 ألف جنيه نظير تسوية الأمر.
وبالفعل، تم دفع المبلغ، وجرى التصالح في النيابة العامة، مما أدى إلى خروج المجني عليه وهو في حالة من الذهول، غير مستوعب ما حدث له.
بعد خروجه، قدم المجني عليه شكاوى إلى التفتيش القضائي، وإلى مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، ووزير العدل، محاولًا فهم سبب سجنه ودفعه للمبلغ.
للأسف، مثل هذا المحامي هو نموذج للخيانة المهنية واستغلال الثقة، حيث استغل التوكيل الممنوح له ونسج هذه الجريمة المحكمة، بينما تبرأ كل من المتهمين الثلاثة من التهم المنسوبة إليهم، فأنكر المتهم الثاني معرفته بالمتهم الثالث، وزعم أنه لم يُصدر له توكيلاً إلا بغرض الإيصالات، رغم أن التوكيل ثابت تاريخه قبل الواقعة، أما المتهم الثالث، فأنكر تمامًا معرفته بالمجني عليه أو أن له صلة به من قريب أو بعيد.
وبناءً على ما ثبت للمحكمة، وبالنظر إلى فداحة الجُرم وخيانة الأمانة من قِبل من يُفترض بهم أن يكونوا حصنًا للعدالة، ولما تسببوا به من إصدار أحكام نهائية بالسجن لمدة 14 عامًا بحق المجني عليه، فقد حكمت المحكمة حضورياً بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث، وغيابياً للمتهم الأول:
حكمت المحكمة بالسجن المشدد لمدة أربع عشرة سنة لكل من:
وليد (المتهم الأول - المحامي الهارب)،
علي (...) (المتهم الثاني - المحامي)،
حسن (...) (المتهم الثالث)،
عن كافة التهم المنسوبة إليهم،
وألزمتهم بالمصروفات الجنائية،
وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة،
وأن يؤدوا للمدعي بالحق المدني مبلغ خمسين ألف جنيه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت،
كما ألزمتهم بمصروفات الدعوى المدنية ومبلغ 200 جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وأمرت المحكمة، وفقًا للمادة 106 من قانون المحاماة، بإرسال صورة من هذا الحكم إلى كل من نقابتي المحامين العامة بالقاهرة، والفرعية بأسيوط، لاتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة بحق المحامين المتهمين.
وداووها بالتي كانت هي الداء.